نداء الغريب

**نداء الغريب: قصة ساحرة عن الغموض والمصير**

في ليلة باردة من ليالي الشتاء، كانت الرياح تعصف بشدة في قرية صغيرة تقع على أطراف الغابة السوداء. كانت هذه القرية تعيش في هدوء دائم، حيث يعرف الجميع بعضهم البعض، ولا شيء غريب يحدث فيها. لكن تلك الليلة، حملت معها نداءً غريبًا قلب حياة الجميع رأسًا على عقب.

البداية الغامضة

كان “سامر”، شابًا في العشرينيات من عمره، يعمل كنجار بسيط في القرية. اعتاد على قضاء أمسياته جالسًا بجانب الموقد، يصقل قطع الخشب التي يعمل عليها، بينما يراقب والدته العجوز وهي تحيك الملابس. في تلك الليلة، بينما كان يعمل، سمع صوتًا غريبًا قادمًا من الخارج. كان الصوت أشبه بنداء، لكنه لم يكن بشريًا.

نهض سامر ببطء وتوجه نحو النافذة، محاولًا تحديد مصدر الصوت. لكنه لم يرَ شيئًا سوى الظلام. عاد إلى عمله، محاولًا تجاهل الصوت، لكنه استمر يتكرر، وكأنه يدعوه للخروج. بعد تردد طويل، قرر سامر أن يتحقق من الأمر.

في قلب الغابة

أخذ سامر فانوسه وارتدى معطفه الثقيل، وخرج إلى الشارع. كان الهدوء يغمر القرية، ولم يكن هناك أحد في الخارج. توجه نحو الغابة، حيث بدا أن الصوت يزداد وضوحًا كلما اقترب. رغم خوفه، كانت هناك قوة غامضة تدفعه للاستمرار.

بينما كان يتوغل في الغابة، بدأت الأشجار تتكاثف، والظلام يزداد. فجأة، وجد نفسه أمام شجرة ضخمة لم يرَ مثلها من قبل، جذورها ملتفة وكأنها تحكي قصة عمرها قرون. وكان الصوت ينبعث منها.

“سامر… سامر…”.

تجمد سامر في مكانه، متسائلًا كيف يعرف هذا الصوت اسمه. لكنه لم يملك الوقت للتفكير طويلًا، إذ فتحت الأرض فجأة أمامه، وسقط في حفرة عميقة.

العالم الآخر

استيقظ سامر ليجد نفسه في مكان غريب. كان المكان مضاءً بضوء فضي خافت، وكانت السماء مليئة بنجوم لا تشبه تلك التي يعرفها. الأرض كانت مغطاة بنباتات مضيئة، والهواء كان مشبعًا برائحة عطرية لا تُوصف. وقبل أن يستوعب ما حدث، ظهر أمامه رجل غريب المظهر.

كان الرجل طويل القامة، يرتدي عباءة سوداء، وعيناه تتلألآن بلون أزرق غامق. قال بصوت هادئ: “مرحبًا يا سامر. لقد كنت بانتظارك”.

تفاجأ سامر وسأله بقلق: “من أنت؟ وأين أنا؟”.

أجاب الرجل: “أنا الحارس. وهذا هو العالم الذي تحكمه قوانين مختلفة عن تلك التي تعرفها. لقد اخترناك لأن لديك قلبًا نقيًا وشجاعة نادرة. لكن عليك أن تثبت أنك تستحق أن تكون هنا”.

الاختبارات الثلاثة

أوضح الحارس أن سامر يجب أن يجتاز ثلاثة اختبارات لكي يتمكن من العودة إلى عالمه، أو البقاء هنا كجزء من هذا العالم الغامض. وافق سامر على التحدي، ليس لأنه يريد البقاء، بل لأنه يريد العودة إلى والدته.

الاختبار الأول: مواجهة الخوف

قاد الحارس سامر إلى وادٍ مظلم، وقال له: “في هذا الوادي، ستواجه أكبر مخاوفك. عليك التغلب عليها لتستمر”.

بينما كان سامر يسير في الوادي، بدأ يسمع أصواتًا مرعبة، ويرى صورًا لأحداث مؤلمة من ماضيه. لكنه تذكر كلمات والدته التي كانت تقول له دائمًا: “الخوف موجود فقط في عقلك”. استجمع شجاعته، وواجه تلك الصور والأصوات، حتى اختفت تمامًا.

الاختبار الثاني: اختبار الرحمة

في الاختبار الثاني، وُضع سامر أمام مخلوق صغير جريح. قال له الحارس: “هذا المخلوق من أعداء هذا العالم. يمكنك القضاء عليه الآن لتثبت ولاءك، أو مساعدته وتحمل العواقب”.

رغم تحذيرات الحارس، قرر سامر مساعدة المخلوق. عالج جروحه وأعطاه بعض الطعام. وما إن انتهى، حتى تحول المخلوق إلى كائن جميل شبيه بالفراشة العملاقة، وقال له: “لقد أثبت أنك تستحق الحياة”.

الاختبار الثالث: اختيار المصير

في الاختبار الأخير، وُضع سامر أمام بابين. قال له الحارس: “أحدهما يؤدي إلى عالمك، والآخر يؤدي إلى حياة خالدة هنا. الخيار لك”.

تردد سامر، لكنه في النهاية اختار الباب الذي يؤدي إلى عالمه. كان يعلم أن والدته بحاجة إليه، وأنه لا يمكنه الهروب من مسؤولياته.

العودة إلى القرية

استيقظ سامر فجأة ليجد نفسه مستلقيًا تحت الشجرة الضخمة في الغابة. كان الفجر قد بدأ بالظهور، والصوت الغريب قد اختفى. عاد إلى منزله، وقرر أن يحتفظ بتجربته لنفسه.

لكن حياته تغيرت بعد ذلك. أصبح أكثر حكمة وشجاعة، وبدأ يساعد أهل قريته في حل مشكلاتهم. لم يعد يخاف من المجهول، وأدرك أن الحياة مليئة بالاختبارات التي علينا أن نجتازها بشجاعة ورحمة.

الخاتمة

نداء الغريب لم يكن مجرد دعوة لاستكشاف الغابة، بل كان دعوة لاكتشاف الذات. تعلم سامر أن القوة الحقيقية تأتي من مواجهة الخوف، وأن الرحمة والشجاعة هما مفتاحا الحياة. وهكذا، عاش سامر حياة مليئة بالمعنى، محاطًا بحب واحترام أهل قريته.

كانت تلك القصة تنتقل من جيل إلى جيل في القرية، لتصبح رمزًا للأمل والشجاعة في مواجهة المجهول.