ليلة في الميناء

ليلة في الميناء

في إحدى ليالي الصيف، قررت “ندى”، الصحفية الشابة، الهروب من صخب المدينة وقضاء ليلة هادئة على الميناء، حيث يلتقي البحر بالسماء في مشهد ساحر. لم تكن هذه المرة الأولى التي تزور فيها الميناء، لكنه كان دائمًا يُلهمها بأفكار جديدة، وكأن الأمواج تحمل معها قصصًا لم تُروَ بعد.

وصلت ندى إلى الميناء مع غروب الشمس. كان الجو مليئًا بنسيم البحر المنعش، والمكان شبه خالٍ إلا من بضعة صيادين ينظمون شباكهم استعدادًا ليوم جديد. جلست على إحدى الصخور الكبيرة، وبدأت في مراقبة البحر. كانت الأمواج تضرب الشاطئ برفق، وكأنها تُغني لحنًا هادئًا.

بينما كانت تغوص في أفكارها، لاحظت رجلًا عجوزًا يجلس على بعد أمتار قليلة منها. كان يبدو عليه أنه صياد قديم، وجهه مليء بالتجاعيد التي تحكي قصصًا عن سنوات طويلة قضاها في البحر. كان يجلس بجانب قارب خشبي صغير، يبدو قديمًا لكنه مُصان بعناية.

قررت ندى أن تكسر حاجز الصمت وتقترب منه. قالت بابتسامة ودودة: “مساء الخير، الجو هنا رائع الليلة، أليس كذلك؟”

رد الرجل بابتسامة هادئة: “مساء النور، نعم، الميناء دائمًا يحمل سحرًا خاصًا في مثل هذه الليالي.”

جلست بجانبه وبدأت الحديث معه. اكتشفت أن اسمه “عم جابر”، وأنه يعمل صيادًا منذ أن كان في العاشرة من عمره. تحدث عن ذكرياته مع البحر، وعن الصعوبات التي واجهها خلال العواصف، وعن الأيام التي كانت فيها الصيد وفيرًا والأخرى التي عاد فيها بخفي حنين.

ما شد انتباه ندى هو قصة رواها عم جابر عن ليلة غريبة وقعت قبل سنوات طويلة. قال:

“في إحدى الليالي المقمرة، كنت أبحر وحدي في البحر، وكانت الرياح هادئة والماء ساكنًا. فجأة، رأيت ضوءًا بعيدًا يتحرك في الأفق. ظننته قاربًا آخر، لكن مع اقترابي، أدركت أنه شيء مختلف تمامًا. كان يبدو كأنه سفينة قديمة، ولكنها كانت تلمع بطريقة غير طبيعية، وكأنها مصنوعة من النجوم. توقفت على بُعد أمتار قليلة منها، وسمعت أصواتًا خافتة كأنها أغاني قادمة من أعماق البحر. فجأة، اختفى كل شيء، وكأن السفينة لم تكن موجودة من الأساس.”

كانت ندى تستمع بانتباه شديد، وعيناها مليئتان بالدهشة. سألت: “هل تعتقد أنها كانت حقيقية؟ أم أنها مجرد وهم؟”

أجاب عم جابر بابتسامة غامضة: “البحر مليء بالأسرار، يا ابنتي. أحيانًا يعطينا لمحات من عوالم أخرى، وأحيانًا يختبرنا بأوهامه. لكنني أؤمن بأن كل ما نراه يحمل رسالة، حتى لو لم نفهمها في حينها.”

بعد انتهاء الحديث، شعرت ندى بشعور مختلف تجاه الميناء والبحر. أدركت أن المكان لم يكن مجرد وجهة للاسترخاء، بل كان عالمًا مليئًا بالقصص والأسرار التي تنتظر من يكتشفها. قررت أن تكتب مقالًا عن تجربة عم جابر، وعن الجوانب الخفية للميناء التي لا يراها الجميع.

قبل أن تغادر، سألت عم جابر: “هل لديك أي نصيحة لشخص يزور الميناء لأول مرة؟”

قال مبتسمًا: “افتح قلبك واستمع للبحر. ستُفاجأ بما يمكن أن يُخبرك به.”

عادت ندى إلى منزلها، تحمل في قلبها ذكرى تلك الليلة الساحرة. كتبت قصتها عن عم جابر والسفينة الغامضة، لكنها لم تُنهِ المقال دون أن تطرح سؤالًا للقراء:

“هل سبق لك أن شعرت أن مكانًا ما يحمل سرًا خفيًا ينتظر من يكتشفه؟ ما هي قصتك مع

الأماكن التي تأثرت بها؟”