قصة قصيرة عن النور الذي ينبعث من الظلام

النور الذي ينبعث من الظلام

في قرية صغيرة محاطة بغابة كثيفة، عاشت فتاة تدعى “نور” مع جدتها العجوز. كانت نور تمتاز بشعرها الأسود الداكن وعيونها اللامعة التي تعكس بريق الأمل، رغم أن حياتها لم تكن سهلة. فقد فقدت والديها في حادثة غامضة عندما كانت طفلة صغيرة، تاركينها مع جدتها التي كانت دائمًا تروي لها قصصًا عن قوة النور في مواجهة الظلام.

كانت القرية تعاني من لعنة قديمة؛ لعنة الظلام. كل ليلة، بعد غروب الشمس، تنتشر ظلال كثيفة تغمر المنازل والأشجار، وتزرع الخوف في قلوب الجميع. لم يكن أحد يجرؤ على الخروج ليلاً، إذ كانت الشائعات تقول إن من يمشي في الظلام يختفي إلى الأبد. ومع ذلك، كانت نور مختلفة؛ لم تخف الظلام أبدًا. فقد شعرت دائمًا بأن هناك شيئًا أكبر خلف تلك العتمة.

ذات ليلة، وبينما كانت القرية تغرق في الظلام، سمعت نور صوتًا غريبًا يأتي من الغابة. كان الصوت أشبه بنداء، وكأنه يطلب المساعدة. شعرت برغبة قوية تدفعها لاستكشاف الأمر، لكنها لم تخبر جدتها. تسللت من منزلها الصغير، حاملةً فانوسًا قديمًا أضاء الطريق أمامها بخفوت.

عندما دخلت الغابة، شعرت بشيء غريب. لم يكن الظلام مجرد غياب للضوء، بل كان كيانًا حيًا يتحرك من حولها. ومع ذلك، استمرت في السير، متبعةً الصوت الذي كان يزداد وضوحًا. بعد وقت طويل من المشي، وصلت إلى بحيرة صغيرة في قلب الغابة. كان المشهد مذهلًا، فالظلام هنا لم يكن مطبقًا كالبقية، بل كان هناك وهج خافت ينبعث من المياه.

اقتربت نور بحذر، وعند حافة البحيرة، رأت شيئًا غير عادي: فتاة صغيرة محاطة بدائرة من الظلال، تبكي بصمت. بدت الفتاة وكأنها محاصرة، لكن الغريب في الأمر أن الدموع التي كانت تسقط من عينيها كانت تضيء كالنور. تقدمت نور بخطوات ثابتة، وسألت الفتاة: “من أنت؟ ولماذا أنت هنا؟”

أجابت الفتاة بصوت خافت: “اسمي ليا. أنا روح النور التي سُجنت في هذا الظلام منذ سنوات طويلة. هذه الغابة كانت مليئة بالحياة والنور، لكن كيان الظلام استولى عليها وسجنني هنا. أنت الوحيدة التي تمكنت من الوصول إليّ، لأن قلبك يحمل شجاعة النور.”

شعرت نور بارتباط عميق بليا، وسألتها: “كيف يمكنني مساعدتك؟”

ردت ليا: “يجب عليك مواجهة الظلام. لكن تذكري، القوة لا تكمن في محاربته بالعنف، بل في احتوائه بالنور. إذا استطعت أن تصلحي الفانوس الذي تحملينه، ستتمكنين من إطلاق طاقة النور الكامنة فيه.”

نظرت نور إلى فانوسها القديم، وأدركت أنه ليس مجرد أداة للإضاءة، بل كان إرثًا تركه لها والداها. كان الفانوس مكسورًا، لكن بداخله شظايا صغيرة تشع نورًا خافتًا. جلست بجانب البحيرة وبدأت تجمع الشظايا، واحدة تلو الأخرى، مستخدمةً كل قوتها الداخلية.

عندما اكتملت الشظايا وأعادت الفانوس إلى حالته الأصلية، انطلق منه ضوء ساطع أضاء المكان بأكمله. ارتجفت الأرض تحت قدميها، وانحسرت الظلال من حول البحيرة. كانت ليا تقف بجانبها، تنظر إليها بابتسامة امتنان.

قالت ليا: “لقد فعلتها، نور. لقد أطلقت طاقة النور من داخلك. الآن، يمكننا معًا أن ننهي لعنة الظلام.”

تعاونت نور وليا، وسارتا عبر الغابة، حيث بدأ النور يتغلغل في كل زاوية. كانت الأشجار تلمع بألوان زاهية، والطيور التي اختفت منذ زمن طويل عادت تغرد مرة أخرى. عندما وصلتا إلى القرية، اندهش السكان لرؤية النور يملأ المكان. كانوا يعتقدون أن الظلام أبدياً، لكن نور أثبتت لهم أن الأمل لا يموت أبدًا.

بعد تلك الليلة، أصبحت نور رمزًا للشجاعة والأمل في القرية. أدرك الجميع أن النور ليس فقط شعاعًا يبدد العتمة، بل هو قوة تنبع من الداخل. أما ليا، فقد اختفت، لكنها تركت وراءها رسالة لنور: “عندما تواجهين الظلام مرة أخرى، تذكري أن داخلك يكمن النور الذي لا يُطفأ.”

وهكذا، عاشت نور بقلب مليء بالأمل والإيمان، تعلم أن الظلام قد يأتي، لكنه لا يدوم أبدًا طالما أن

هناك نورًا ينبعث من داخلك.