على حافة الجنون

على حافة الجنون

في إحدى الليالي الباردة، عندما كانت الرياح تعصف بأغصان الأشجار وتئن النوافذ تحت وطأة العاصفة، جلست “سلمى” وحيدة في غرفتها الصغيرة، تحيط بها أكوام من الكتب القديمة. كانت سلمى شابة طموحة، مولعة بالقراءة، وتحب الانغماس في العوالم الخيالية التي تنقلها إليها صفحات الكتب. لكن تلك الليلة كانت مختلفة. شيء ما كان يثير القلق في قلبها، إحساس غريب بأنها ليست وحدها.

منذ أسابيع، بدأت سلمى تشعر بأمور غريبة في منزلها القديم. أصوات خافتة تأتي من الغرف المجاورة، أشياء تتحرك من أماكنها دون أن يمسها أحد، وضوء المصباح الذي يرمش بشكل غير منتظم. حاولت إقناع نفسها بأن كل ذلك مجرد تهيؤات أو بسبب إرهاقها من العمل والدراسة، لكن الأحداث بدأت تتكرر بشكل يدفعها للجنون.

في تلك الليلة، قررت سلمى أن تواجه مخاوفها. أحضرت دفترًا صغيرًا وبدأت تسجل فيه كل ما يحدث من أمور غريبة. عند منتصف الليل، سمعت صوت خطوات خافتة قادمة من الممر. تجمدت في مكانها، لكن الفضول دفعها للتحرك. أمسكت بمصباح يدوي وتوجهت نحو مصدر الصوت. عند باب المطبخ، رأت ظلًا يتحرك بسرعة.

لم تكن سلمى تخاف بسهولة، لكنها شعرت برعشة تسري في جسدها. فتحت الباب ببطء، لتجد المطبخ فارغًا تمامًا. بدأت تدور حول نفسها محاولة تفسير ما رأت، وفجأة، سمع صوت همس قريب جدًا منها. استدارت بسرعة، لكنها لم تجد أحدًا.

في الأيام التالية، ازدادت الأمور سوءًا. بدأت سلمى ترى كوابيس غريبة عن امرأة ترتدي ثوبًا أسود وتجلس على طرف سريرها، تحدق بها دون أن تنطق بكلمة. كانت تستيقظ مذعورة، لكن عندما تحاول إضاءة الغرفة، لا تجد أثرًا لأي شيء. كلما حاولت أن تخبر أحدًا بما تمر به، كانت تُقابل بابتسامات شفقة أو محاولات لتغيير الموضوع. بدأ الشك يتسرب إلى نفسها: هل بدأت تفقد عقلها؟

ذات يوم، وبينما كانت تقلب في كتبها القديمة، وجدت ملاحظة مكتوبة بخط يدوي بين صفحات أحد الكتب. كانت الملاحظة تقول: “لا تبحثي، فالحقيقة ستدمرك.” شعرت سلمى برعشة تسري في جسدها. من كتب هذه الملاحظة؟ وكيف وصلت إلى كتابها؟ قررت ألا تخبر أحدًا وبدأت تبحث عن تاريخ المنزل الذي تعيش فيه.

من خلال بحثها، اكتشفت أن المنزل كان ملكًا لعائلة عاشت فيه قبل أكثر من خمسين عامًا. كانت العائلة مكونة من أب، أم، وابنة صغيرة تدعى “ليلى”. لكن في ليلة غامضة، اختفت ليلى بشكل مفاجئ، ولم يتم العثور عليها أبدًا. بعد الاختفاء، غادرت العائلة المنزل تاركة خلفها كل شيء. منذ ذلك الحين، تناقل سكان المنطقة شائعات عن أن المنزل مسكون بروح ليلى.

قررت سلمى أن تحفر أعمق في هذه القصة. استعانت بأحد جيرانها المسنين، الذي أكد لها صحة الشائعات. قال لها بصوت منخفض: “ليلى لم تختفِ. والدتها قتلتها ودفنتها في الحديقة الخلفية.” كانت هذه الكلمات كالصاعقة بالنسبة لسلمى. لم تستطع التوقف عن التفكير في الأمر.

في تلك الليلة، أخذت سلمى مصباحًا وفأسًا واتجهت إلى الحديقة الخلفية. بدأت تحفر دون أن تدري ما الذي تتوقعه. وبينما كانت تزيل التراب، شعرت بشيء صلب تحت قدميها. كان صندوقًا خشبيًا قديمًا. فتحته ببطء، لتجد بداخله دمية صغيرة مغطاة بالتراب وبعض الأوراق الممزقة.

كانت الأوراق تحتوي على رسائل مكتوبة بخط طفولي. إحدى الرسائل تقول: “أمي ليست كما تبدو. أرجوكم، لا تتركوني معها.” شعرت سلمى برعب شديد. كانت الرسائل تدل على أن الأم كانت تعاني من اضطرابات عقلية وربما قتلت ابنتها بالفعل.

لكن قبل أن تستوعب ما وجدت، سمعت صوتًا واضحًا خلفها يقول: “لم يكن عليكِ الحفر.” استدارت بسرعة، لتجد امرأة ترتدي ثوبًا أسود تقف على بعد خطوات منها. لم تستطع رؤية وجهها بوضوح، لكن الصوت كان واضحًا جدًا. شعرت سلمى بأنها على حافة الجنون. بدأت تردد بصوت عالٍ: “أنتِ لست حقيقية! أنتِ مجرد وهم!”

لكن الصوت أجابها ببرود: “إن لم أكن حقيقية، فلماذا تخافين؟” قبل أن تكمل الجملة، شعرت سلمى بيدٍ باردة تلمس كتفها. صرخت بقوة وركضت باتجاه المنزل، تاركة كل شيء خلفها.

بعد تلك الليلة، قررت سلمى أن تغادر المنزل نهائيًا. لكنها أخذت معها الدمية والرسائل، وأقسمت أن تكتشف الحقيقة. استمرت في البحث، لكنها لم تعد تشعر بأنها وحدها. كانت ترى ظلالًا من حين لآخر، وتسمع أصواتًا تهمس باسمها. لم تعد تدري إن كانت تلك الظواهر حقيقية أم نتيجة ما مرت به.

سؤال للقارئ:

هل تعتقد أن سلمى كانت تعاني من أوهام بسبب الوحدة والضغط، أم أن ما واجهته كان حقيقيًا؟ وما ا

لذي كنت ستفعله لو كنت مكانها؟