رسالة لم تُكتب

رسالة لم تُكتب

عالم القصص

في زقاق هادئ بأحد أحياء المدينة القديمة، كانت هناك مكتبة صغيرة تُدعى “مكتبة الأحلام”. لم تكن المكتبة مجرد مكان لبيع الكتب، بل كانت ملاذًا للعقول الباحثة عن الهروب من صخب الحياة اليومية. وفي إحدى زواياها المُعتِمة، جلست فتاة تُدعى ليلى، تحمل دفترًا صغيرًا وقلمًا يبدو أن حبره لم يُستخدم قط.

بداية الحكاية

كانت ليلى فتاة حالمة، تعشق الكتابة وتجد فيها وسيلتها الوحيدة للتعبير عن مشاعرها. لكنها، وعلى الرغم من حبها للكتابة، لم تستطع أن تكتب رسالة واحدة كانت ترغب بشدة في كتابتها. كانت تلك الرسالة موجهة إلى والدها، الرجل الذي غادر حياتها منذ أن كانت طفلة صغيرة.

كل يوم كانت تجلس في المكتبة، تحاول أن تبدأ الرسالة، لكن الكلمات تخونها في كل مرة. كانت تُعيد التفكير في اللحظة التي غادر فيها والدها دون وداع، تاركًا وراءه أسئلة لم تجد لها إجابة.

عالم القصص

ذات يوم، وبينما كانت تقلب صفحات دفترها الفارغ، اقترب منها رجل مسن يُدعى عادل، كان معروفًا بحبه للكتب وقدرته على سرد الحكايات. لاحظ صمت ليلى وحيرتها، فسألها بلطف:

“ما الذي يشغل بالك يا ابنتي؟”

نظرت ليلى إلى الرجل وكأنها ترى فيه حكمة العالم، ثم أجابت بصوت مرتجف:

“أريد أن أكتب رسالة لوالدي، لكنني لا أعرف كيف أبدأ.”

ابتسم عادل وقال: “الرسائل التي تأتي من القلب لا تحتاج إلى بداية مثالية، بل تحتاج إلى الصدق. ابدأي بما تشعرين به الآن.”

الرسالة المفقودة

شجعت كلمات عادل ليلى، فبدأت تكتب:

“إلى أبي،

مرَّت سنوات كثيرة منذ أن غادرت. لا أعرف إن كنتَ تتذكرني، لكنني لم أنسَك. أكتب إليك اليوم لأخبرك بما لم أستطع قوله طوال هذه السنوات. كنت أحتاجك بجانبي في كل لحظة فرح وحزن. كنت أبحث عنك في عيون كل الرجال الذين مروا بحياتي، لكن أحدًا لم يكن يشبهك.”

بينما كانت تكتب، بدأت دموعها تنهمر على الورق، لكنها لم تتوقف. استمرت في الكتابة، تفرغ مشاعرها المكبوتة وتُخرج الكلمات التي كانت تُثقل قلبها.

عالم القصص

عندما انتهت من كتابة الرسالة، شعرت بارتياح لم تعرفه من قبل. شكرت عادل على دعمه، وقررت أن تُبقي الرسالة في دفترها. لم تكن واثقة مما إذا كانت ستُرسلها يومًا، لكنها أدركت أن مجرد كتابتها كان كافيًا.

لقاء غير متوقع

بعد أسابيع، وبينما كانت تجلس في المكتبة كعادتها، دخل رجل غريب إلى المكان. كان يحمل ملامح مألوفة، وعينين تشبهان عينيها. اقترب منها وسأل بلطف:

“هل أنتِ ليلى؟”

أجابت بدهشة: “نعم، من أنت؟”

ابتسم الرجل وقال: “أنا والدك.”

تجمدت ليلى في مكانها. لم تصدق ما تسمعه. كيف عرف مكانها؟ وكيف وجدها بعد كل هذه السنوات؟

عالم القصص

جلس والدها بجانبها وأخبرها كيف أنه قرأ الرسالة التي تركتها على طاولة المكتبة يومًا ما. كان قد عاد إلى المدينة بالصدفة ودخل المكتبة ليجد تلك الرسالة تنتظره.

“لم أكن أستحق فرصة ثانية، لكنني أردت أن أطلبها منك. أريد أن أعوضك عن كل ما فات، إن كنتِ تسمحين لي بذلك.”

كانت مشاعر ليلى متضاربة، لكن قلبها أخبرها بأن تمنحه تلك الفرصة. تبادلا الحديث لساعات، وكأن الزمن عاد بهما إلى الوراء.

النهاية الجديدة

لم تكن تلك الرسالة مجرد كلمات على ورق، بل كانت بداية جديدة لحياة ليلى ووالدها. تعلمت ليلى أن الكلمات، وإن كانت بسيطة، تملك قوة هائلة لتغيير المصائر.

وها هي الآن، جالسة في مكتبة الأحلام، تكتب قصتها الخاصة لتنقلها إلى الآخرين، على أمل أن تُلهمهم بكتابة رسائلهم المفقودة.

ما هي الرسالة التي لم تكتبها بعد؟