الساعة المتوقفة

الساعة المتوقفة

في زاوية الغرفة القديمة، على رف خشبيّ مهترئ، وُضعت ساعة حائط كبيرة، عقاربها طويلة ومتآكلة، وصوتها الرتيب كان يملأ المنزل يومًا. الآن توقفت، وتجمّد الزمن معها. كان الجميع في المنزل يعرف أن الساعة قديمة، ترجع إلى زمن جد العائلة الكبير، لكن لا أحد عرف قصتها الحقيقية.

كان يحيى، الطفل الصغير، يجلس على الأريكة القريبة وينظر إلى الساعة بإمعان. شيء ما كان يجذبه إليها، ربما صمتها الغريب، وربما النقوش الغامضة على إطارها النحاسي. سأل جدته يومًا:

“لماذا توقفت الساعة يا جدتي؟”
ابتسمت الجدة ابتسامة غامضة وقالت:

“للساعة حكاية طويلة يا بني، حكاية تخبئ أسرارًا لا يفهمها إلا من عاشها.”

البداية

في عشرينيات القرن الماضي، كانت الساعة زينة منزل كبير لعائلة معروفة في القرية. كان الجد الكبير، عبد الرحمن، رجلاً وقورًا يدير أمور القرية بحكمة وعدل. اشترى الساعة من تاجر رحّالة قادم من مدينة بعيدة. أخبره التاجر أن الساعة ليست مجرد أداة لمعرفة الوقت، بل إنها تحفظ ذكريات من يعيش تحت سقفها.

الساعة وشبح الذكريات

مرت السنوات، وأصبحت الساعة شاهدة على الأحداث السعيدة والحزينة للعائلة. في يوم من الأيام، حدثت مأساة كبيرة. توفي الابن البكر لعبد الرحمن فجأة في حادث غامض. في تلك اللحظة بالذات، توقفت الساعة عن العمل، وكأنها تأبى أن تمضي مع الزمن الذي جلب الحزن للعائلة. حاول عبد الرحمن إصلاحها، لكنه فشل. لم تكن المشكلة في آليتها، بل في شيء أكبر من ذلك، شيء لا يراه البشر.

السر الغامض

مع مرور الأيام، بدأ الناس يلاحظون أن الساعة ليست مجرد جماد. في ليالٍ معينة، عندما يسود الصمت، كانت تصدر أصواتًا خافتة تشبه الهمس. بعض أفراد العائلة أقسموا أنهم سمعوا أسماء تُنطق بلطف، وكأن الساعة تنادي أحدهم.

عبد الرحمن، الذي كان يحب التأمل في الأمور الغامضة، جلس ذات ليلة أمام الساعة وأخذ يحدق فيها. قال بهدوء:

“إن كان فيكِ سر، فأخبريه لي.”
وفجأة، سمع صوتًا هامسًا يقول:

“الذكريات تحمل الأجوبة، لكن الأرواح تحمل الألم.”

ارتعد جسده، لكنه لم يخبر أحدًا بما حدث. من تلك الليلة، أصبحت الساعة بالنسبة له رابطًا بين الماضي والحاضر، وبين الحياة والموت.

الوريث الشاب

عاد الحاضر، حيث يحيى الصغير ما زال ينظر إلى الساعة بعينين مليئتين بالدهشة. شعر أن هناك لغزًا يجب أن يحله. قرر أن يسأل جده مباشرة، الذي كان يجلس في الشرفة.

“جدي، لماذا توقفت الساعة؟”
تنهد الجد وقال:

“لأنها شاهدت أكثر مما يجب.”
لم يفهم يحيى الجواب، لكن شعورًا داخليًا دفعه إلى البحث عن الحقيقة.

اكتشاف المفاجأة

في إحدى الليالي، وبينما كان الجميع نائمين، تسلل يحيى إلى الغرفة القديمة. أمسك الساعة بحذر ونظر إليها عن قرب. لاحظ نقشًا صغيرًا مخفيًا في أسفل الإطار. كان النقش عبارة عن كلمات مكتوبة بخط دقيق:
“عندما يتوقف الزمن، ابحث عن البداية.”

شعر يحيى بشيء غريب، كأن الكلمات تنبض بالحياة. حاول أن يدير عقارب الساعة بيده، لكنها لم تتحرك. فجأة، سمع صوتًا خافتًا يناديه:

“يحيى… يحيى…”
تجمّد في مكانه، لكنه لم يهرب. قرر أن يواجه ما يحدث.

ظهر أمامه رجل كبير في السن، ملامحه تشبه الصور القديمة لعبد الرحمن. قال الرجل:

“لا تخف، أنا جزء من ماضي هذه الساعة. كنت أحاول حماية أسرار عائلتنا، لكن يبدو أن الوقت قد حان لتعرف الحقيقة.”

الحقيقة المذهلة

أخبره الرجل أن الساعة تحتوي على ذكريات العائلة بأكملها، وأن توقفها كان نتيجة لحزن عميق خلفته المأساة القديمة. كانت الساعة تعكس الحالة العاطفية للعائلة؛ عندما تسود الفرحة، تدور عقاربها بسلاسة، وعندما يهيمن الحزن، تتوقف.

لكن الساعة كانت أيضًا حارسًا للأسرار. إذا حاول أحد الغرباء أخذها أو العبث بها، فإنها تُظهر وجهًا آخر، مظلمًا وغامضًا.

النهاية الجديدة

في تلك الليلة، قرر يحيى أن يعيد الروح إلى الساعة. أخبر أفراد العائلة بما حدث، وجمعهم جميعًا أمامها. طلب منهم أن يتذكروا أجمل لحظاتهم معًا، وأن يتركوا الحزن جانبًا.

مع كل ضحكة وكل ابتسامة، بدأت الساعة تهتز ببطء، ثم سمعت العائلة صوت “تك… تك…” لأول مرة منذ عقود. عادت الساعة للحياة، وكأن الزمن بدأ يدور من جديد.

منذ ذلك الحين، أصبحت الساعة رمزًا للعائلة. تعلم الجميع أن الزمن ليس مجرد عقارب تدور، بل هو مشاعر وذكريات تربطهم ببعضهم البعض.

وظل يحيى يروي قصتها لكل من يسأل عنها، مؤكدًا أن بعض الأشياء، حتى لو بدت ميتة، قد تحمل حياة أكبر مما نتخيل.