البيت الذي لا يُهدم

البيت الذي لا يُهدم

في إحدى القرى الهادئة، التي تحيطها الجبال من كل جانب وتتناثر حولها الأشجار كشهود على مرور الزمن، كان هناك بيت قديم يُطلق عليه أهل القرية اسم “البيت الذي لا يُهدم”. لم يكن هذا البيت مبنيًا من حجارة خاصة أو مواد خارقة، بل كان منزلًا بسيطًا مبنيًا من الطين والخشب. ومع ذلك، كانت أسطورته تعيش في القلوب وتتردد في الحكايات.

البيت كان ملكًا لرجل يدعى “حكيم”، وهو اسم على مسمى. كان حكيم رجلاً طيب القلب، يحب الخير ويسعى إلى مساعدة الجميع. عاش مع زوجته وأطفاله في هذا البيت لأكثر من خمسين عامًا، ولم يُسمع يومًا أنه أغلق بابه في وجه أحد. كان البيت دائمًا مفتوحًا للضيوف، سواء كانوا من القرية أو من المارين الغرباء.

بداية الأسطورة
ذات يوم، اجتاحت القرية عاصفة قوية لم تشهدها من قبل. الرياح كانت تعصف كأنها تريد اقتلاع كل شيء في طريقها، والأمطار كانت تهطل بغزارة حتى غمرت الأرض بالمياه. حينها، لجأ أهل القرية إلى منازلهم في خوف وذعر، لكن بيوتهم لم تصمد طويلاً. سقطت الأسقف وانهارت الجدران، واضطر الكثيرون إلى الهرب بحثًا عن مأوى.

وسط هذا الخراب، ظل بيت حكيم واقفًا كأنه يتحدى العاصفة. لم يُصب بأي ضرر يُذكر، رغم أن كل البيوت المجاورة قد تهدمت. تعجب الجميع من هذا الأمر وبدأوا يتساءلون: كيف يمكن لبيت طيني بسيط أن يصمد أمام هذه القوة الجبارة؟

أسرار البيت
بعد انتهاء العاصفة، اجتمع أهل القرية حول حكيم ليسألوه عن سر بيته. ابتسم بحكمة وقال: “ليس السر في الطين ولا في الخشب، بل في ما بُني عليه هذا البيت وما يحمله داخله. بنيته على المحبة والصدق، وحافظت عليه بالكرم والتسامح.”

ضحك بعض الحاضرين، معتقدين أن ما يقوله مجرد كلمات فلسفية، لكن حكيم تابع قائلاً: “حين بنيت هذا البيت، لم أستخدم الطين فقط، بل كنت أخلط معه نية الخير. وكل خشبة وضعتها، كانت بقلب صافٍ لا يحمل الحقد أو الكراهية. لهذا، البيت لا ينهدم، لأنه ليس مبنيًا فقط بالحجارة، بل بالأفعال الطيبة والنية الصافية.”

التحديات الجديدة
مرت السنوات، وظل البيت صامدًا أمام كل الكوارث التي واجهتها القرية: زلازل خفيفة، أمطار غزيرة، وحتى حرائق في الغابات القريبة. في كل مرة، كان أهل القرية يلجؤون إلى بيت حكيم ليجدوا فيه الأمان والدفء.

ولكن لم تكن الطبيعة هي التحدي الوحيد. ذات يوم، جاء رجل غريب إلى القرية يدعي أنه خبير بناء، وعرض على أهل القرية بناء بيوت جديدة مقاومة للكوارث. أُعجب الناس بكلامه، وبدأوا يهدمون بيوتهم القديمة لبناء أخرى حديثة.

حاول الغريب إقناع حكيم بهدم بيته أيضًا، قائلاً: “بيت قديم كهذا يمكن أن ينهار في أي لحظة. دعني أبني لك بيتًا أقوى وأجمل.”

أجابه حكيم بهدوء: “قد يكون بيتك الجديد جميلاً، لكنه لن يحمل ذكريات أطفالي وضحكات أصدقائي. لن يحتفظ بعبير الأوقات الجميلة ولا صدى دعوات الخير التي وُجهت هنا.”

البيت يبقى رمزًا
بمرور الوقت، أدرك أهل القرية أن بيوتهم الجديدة لم تمنحهم السعادة التي وعدهم بها الغريب. كانت جميلة من الخارج لكنها باردة من الداخل، تخلو من الروح التي اعتادوا عليها في بيوتهم القديمة. أما بيت حكيم، فقد ظل كما هو: مكانًا يجمع القلوب ويُحيي الأمل.

وفي أحد الأيام، تعرضت القرية لموجة جديدة من الزلازل. هُدمت معظم البيوت الجديدة، لكن بيت حكيم بقي صامدًا كما كان. تجمع أهل القرية حول البيت مرة أخرى، هذه المرة ليس فقط طلبًا للأمان، بل أيضًا لفهم الحكمة التي كانوا يستهزئون بها من قبل.

قال حكيم لهم: “البيت الذي لا يُهدم ليس مجرد جدران، بل هو روح تُبنى بالصبر، وعلاقة مع الأرض تُزرع بالحب. ليس كل ما يبدو حديثًا قويًا، ولا كل ما يبدو قديمًا ضعيفًا. القوة الحقيقية في النوايا التي نضعها فيما نفعل.”

البيت يصبح مدرسة
بعد وفاة حكيم، تحول بيته إلى مدرسة يتعلم فيها أهل القرية وأطفالها قيم المحبة والكرم. أصبح رمزًا للوحدة، وتذكيرًا دائمًا بأن ما نبنيه بقلوبنا هو ما يدوم، وليس فقط ما نبنيه بأيدينا.

وهكذا، استمرت أسطورة “البيت الذي لا يُهدم” تعيش في قلوب الأجيال، ليس كمعجزة مادية، بل كدرس عميق في أن الصدق، المحبة، والإيمان يمكنها أن تجعلنا نبني بيوتًا لا تهدمها العواصف ولا الزلازل، بل تبقى خالدة في ذاكرة الجميع.