الباب الذي لا يراه أحد

الباب الذي لا يراه أحد

في قرية صغيرة تقع بين الجبال والغابات الكثيفة، كانت هناك أسطورة قديمة يتناقلها أهل القرية جيلًا بعد جيل. كانت تتحدث عن “الباب الذي لا يراه أحد”. يقولون إنه باب سحري يظهر فقط لمن يستحق رؤيته، لكنه ليس بابًا عاديًا. بل هو بوابة إلى عالمٍ آخر، مليء بالكنوز والأسرار.

لم يكن أحد في القرية قد رأى هذا الباب بالفعل، لكن الجميع كانوا على يقين بوجوده. وفي قلب تلك القرية عاش صبي يدعى “سليم”، فضولي بطبعه وحالم بعالمٍ أكبر مما يحيط به. كان سليم يسمع القصص عن الباب في الليالي الشتوية حول المدفأة، وكلما سمعها، ازداد شغفه لمعرفة الحقيقة.

قرر سليم يومًا ما أن يكرّس وقته للبحث عن الباب. بدأ بالتحدث إلى كبار السن في القرية، وسؤالهم عن تفاصيل الأسطورة. كان كل شخص لديه قصة مختلفة، لكن النقطة المشتركة الوحيدة كانت أن الباب لا يظهر إلا لمن يمتلك “النقاء الداخلي” ويبحث عنه من دون طمع.

لم يفهم سليم ما يعنيه هذا تمامًا، لكنه استمر في البحث. كان يجوب الغابات ويتسلق الصخور العالية ويجلس لساعات يتأمل الطبيعة. وفي إحدى الأمسيات، عندما كانت الشمس تغرب وتلون السماء بألوان برتقالية، وجد نفسه في وادٍ هادئ لم يسبق أن دخله من قبل.

هناك، وسط الهدوء، لمح شيئًا غريبًا. بدا وكأن الهواء أمامه يتغير، يتراقص كالماء تحت أشعة الشمس. اقترب ببطء، وبقلب يخفق بشدة، رفع يده ليلمس الفراغ. فجأة، ظهر الباب أمامه. كان بابًا بسيطًا لكنه مهيب، مصنوع من خشب غريب تتداخل فيه ألوان الطبيعة كأنه حي.

تردد سليم لوهلة، لكنه قرر أن يفتح الباب. وعندما دفعه برفق، وجد نفسه في عالم لم يكن يتخيله. كانت هناك مروج خضراء تمتد بلا نهاية، وأنهار تتلألأ كأنها مصنوعة من الماس. سمع أصواتًا جميلة لكائنات لم يرَ مثلها من قبل، وكأنها تغني أغاني لا تفهمها الأذن لكن تشعر بها الروح.

لم يكن هناك كنز مادي، بل كان الكنز في السلام والجمال الذي يحيط به. أدرك سليم أن “النقاء الداخلي” لا يعني فقط أن تكون طيبًا، بل أن تكون قادرًا على رؤية الجمال في كل شيء حولك، حتى في أصغر التفاصيل.

عاد سليم إلى قريته بعد ذلك اليوم، لكنه لم يخبر أحدًا بما رأى. فقد فهم أن الباب يظهر فقط لمن يبحث عنه بصدق، وأن الجمال الحقيقي لا يمكن نقله بالكلمات، بل بالشعور.

ومنذ ذلك الحين، أصبحت أسطورة الباب الذي لا يراه أحد جزءًا من حياة سليم، ليس فقط كقصة يسمعها، بل كتجربة غيرت حياته. وظل يسير في قريته بابتسامة هادئة، يهمس بها الريح لمن يبحث عن بابهم الخاص.