مملكة الحكايات

مملكة الحكايات

في زاوية بعيدة من العالم، حيث لا تطأها الأقدام، كانت هناك مملكة صغيرة تعرف باسم “مملكة الحكايات”. لم تكن هذه المملكة مثل أي مملكة أخرى، إذ كانت تحتوي على مكتبة ضخمة تمتد على مساحات لا نهاية لها، كل رف من رفوفها مكتظ بالكتب التي تروي قصصًا قصيرة عن مغامرات الأبطال، وسحر العالم القديم، وحكايات منسية من أمم اختفت مع الزمن.

كان حاكم المملكة، الملك إياد، رجلاً شغوفًا بالقصص. لم يكن يهتم بالثروات أو الحروب، بل كان يرى أن كل قصة تروى تحمل روحًا خاصة، وأنها تمنح الحياة معنى. كان يعتقد أن القصص القصيرة تحديدًا هي الأهم، لأنها كالشعلة الصغيرة، قد تكون صغيرة الحجم لكنها تضيف ضوءًا في أحلك الأماكن.

في يوم من الأيام، تلقى الملك إياد رسالة غامضة مكتوبة على ورقة قديمة. كانت الرسالة تقول:

“أيها الملك إياد، أنت حارس مملكة الحكايات، لكن هل تعرف سرها الأعظم؟ هناك حكاية واحدة، أعظم من كل الحكايات، مخبأة في مكان لا تصل إليه إلا القلوب النقية. من يجدها ستنفتح له أبواب الحكمة الأبدية.”

أثارت الرسالة فضول الملك. ورغم أنه عاش حياته محاطًا بالكتب، إلا أنه لم يسمع من قبل عن هذه الحكاية الأعظم. قرر أن يبدأ رحلة للبحث عنها، لكن السؤال كان: من أين يبدأ؟

البحث عن القصة الأعظم

جمع الملك مستشاريه وحكماء المملكة، وبدأ يناقشهم بشأن الرسالة. قال أحد الحكماء: “إذا كانت الحكاية الأعظم موجودة، فربما تكون في عمق المكتبة، في مكان لم تطأه الأقدام منذ زمن طويل.”

انطلق الملك مع فريق من المستكشفين إلى أعماق المكتبة. كانت الأرفف تتزايد طولاً، والكتب تصبح أكثر قدمًا وغموضًا. وأثناء بحثهم، لاحظوا أن بعض الكتب لم تكن مكتوبة بالكلمات، بل بالصور والرموز. فتح الملك أحد هذه الكتب، لكنه لم يستطع فهم شيء منه. قال الحكيم: “ربما هذه رموز سحرية تحتاج إلى ترجمة.”

أرسل الملك في طلب أشهر مترجم للرموز في المملكة. وعندما وصل المترجم وبدأ في قراءة الرموز، تغيرت ملامحه. قال للملك: “هذه ليست مجرد رموز، إنها أجزاء من قصص متفرقة. يجب علينا جمعها معًا لنصل إلى القصة الأعظم.”

تحديات الطريق

بدأت عملية جمع الرموز والقصص المتفرقة. لكن الطريق لم يكن سهلاً. ففي كل مرة يعثرون فيها على جزء من القصة، كانوا يواجهون تحديًا. في إحدى المرات، دخلوا قاعة مليئة بالكتب الملعونة التي كانت تصدر أصوات همس غريبة. لم يكن من الممكن الاقتراب منها إلا باستخدام دروع سحرية صنعها أحد السحرة في المملكة.

وفي مرة أخرى، واجهوا لغزًا معقدًا كان حله يتطلب التعاون بين الجميع. كان اللغز يقول: “ما الذي يمكن أن يكون نهاية لكل حكاية وبداية لحكاية أخرى؟” استغرق الأمر ساعات من النقاش حتى أدركوا أن الإجابة كانت “القارئ”.

اكتشاف القصة الأعظم

بعد أشهر من البحث والمغامرات، وصل الملك وفريقه إلى قاعة سرية في أعماق المكتبة. كانت القاعة مضاءة بضوء ذهبي ينبعث من كتاب واحد وضع على منصة حجرية في المنتصف. عندما اقترب الملك، شعر بقوة غامضة تسري في جسده. فتح الكتاب بحذر، وبدأ يقرأ.

كانت القصة الأعظم ليست قصة واحدة فقط، بل كانت تجمع بين جميع القصص التي مرت في تاريخ البشرية. كانت تروي عن الحب والفقد، عن الشجاعة والخوف، عن النهايات والبدايات. أدرك الملك أن سر القصة الأعظم يكمن في أنها ليست ثابتة؛ بل تتغير مع كل قارئ. كل شخص يقرأها يرى فيها انعكاسًا لقصته الشخصية.

العودة إلى المملكة

عاد الملك إياد إلى المملكة ومعه الكتاب. لكنه قرر ألا يحتفظ به لنفسه. بدلاً من ذلك، وضع الكتاب في قلب المكتبة، وفتح أبواب القاعة للجميع. أصبح الكتاب مصدر إلهام لكل من قرأه، وسرعان ما تحولت مملكة الحكايات إلى وجهة لكل محب للقصص في العالم.

لكن الملك إياد تعلم درسًا مهمًا: أن القصة الأعظم ليست في الكلمات المكتوبة فقط، بل في الأثر الذي تتركه في النفوس. وعاش بقية حياته محاطًا بالقصص، سعيدًا بأنه كان جزءًا من حكاية أكبر، هي “مملكة الحكايات”.