ليالٍ بلا قمر

ليالٍ بلا قمر

في إحدى القرى الصغيرة الواقعة بين جبال شاهقة وأشجار كثيفة، عاشت فتاة تدعى ليلى، مشهورة بجمالها البسيط وهدوئها الغامض. كانت ليلى تُحب قريتها الصغيرة، لكن ما كان يزعجها دائمًا هو غياب القمر في ليالي الشتاء الطويلة. اعتادت ليلى أن تنظر إلى السماء، باحثة عن النور الذي يمكن أن يضيء عتمة الليالي الباردة، لكنها كانت تجد السماء خالية من القمر.

كانت القصة تبدأ في تلك الليالي الحالكة التي جعلت الناس في القرية يختبئون مبكرًا في بيوتهم. كانت الشموع تُضاء، والنيران تُشعل، لكن ليلى كانت ترى أن الظلام يأكل جزءًا من روح القرية. لم يكن غياب القمر أمرًا طبيعيًا؛ كان الجميع يهمس بأن لعنة قديمة أصابت القرية، لكن لم يتحدث أحد عن تفاصيلها.

اللقاء الغامض

في إحدى الليالي المظلمة، بينما كانت ليلى تجلس بجوار نافذتها تتأمل الظلام، سمعت طرقًا على الباب. فتحت الباب بحذر، لتجد رجلاً غريبًا يرتدي عباءة سوداء. كان مظهره مخيفًا لكنه بدا مألوفًا بشكل غريب. قال الرجل بصوت خافت: “أنا هنا لأخبرك بالحقيقة عن ليالي قريتك المظلمة.”

أدخلته ليلى وجلست تستمع إليه. أخبرها أن القمر غاب عن القرية بسبب وعد قديم قطعه أحد أجدادهم مع “ملكة الظلال”، وهي كائن أسطوري كانت تسكن الغابة المجاورة. القصة تعود إلى مئات السنين حين وعد الجد الأكبر للقرية الملكة بأن تُبقي الظلام بعيدًا مقابل تقديم تضحية بشرية كل مئة عام. لكن في أحد المرات، رفض أهل القرية الالتزام بهذا الوعد، فحلت عليهم اللعنة وأُخذ القمر بعيدًا عن سمائهم.

الرحلة المحفوفة بالمخاطر

شعرت ليلى بأن عليها أن تفعل شيئًا لإنقاذ قريتها. قررت مواجهة ملكة الظلال لاستعادة القمر. رغم تحذيرات الرجل الغريب، جمعت شجاعتها وانطلقت إلى الغابة المظلمة. كانت الغابة مرعبة في الليل؛ أصوات الرياح كانت تعوي كأنها أرواح غاضبة، وظلال الأشجار كانت تبدو كوحوش تستعد للانقضاض.

بينما كانت تتوغل في الغابة، ظهر أمامها ذئب فضي اللون. لم يكن مثل أي ذئب رأته من قبل؛ كان له عينان متوهجتان بلون القمر. قال لها بصوت بشري: “أنا حارس الغابة، وأعرف ما تسعين إليه. لكن ملكة الظلال ليست كما تتوقعين.”

سارت ليلى برفقة الذئب الذي أرشدها إلى قصر الملكة. القصر كان مبنيًا من الظلال نفسها، وكأنه ينبض بالحياة. دلفت ليلى إلى الداخل بحذر، لتجد الملكة جالسة على عرش من الظلام. كانت ذات جمال آسر، لكنه مرعب.

المواجهة مع ملكة الظلال

قالت الملكة بصوت ناعم لكنه عميق: “ما الذي يجعلك تجرؤين على القدوم إلى هنا؟”

أخبرتها ليلى أن أهل القرية لا يستحقون هذه اللعنة، وأنها تريد استعادة القمر بأي ثمن. ابتسمت الملكة، وقالت: “استعادة القمر ليست بهذه السهولة. عليكي أن تقدمي لي شيئًا ثمينًا، كما فعل أجدادك.”

وقفت ليلى بصمت، تفكر في معنى التضحية. تذكرت قصص أهل قريتها ومعاناتهم، وأدركت أنها الوحيدة التي يمكنها إنقاذهم. قالت للملكة: “أنا مستعدة لتقديم نفسي، لكن بشرط واحد: أعيدي القمر إلى القرية قبل أن أرحل.”

ضحكت الملكة بصوت يشبه صوت الرياح وقالت: “شجاعتك مثيرة للإعجاب. لكنك لم تدركي الحقيقة بعد.” ثم أضاءت القاعة بضوء فضي، لتظهر مرآة ضخمة. رأت ليلى انعكاسها، لكنها لم تر نفسها؛ بل رأت القمر.

أوضحت الملكة أن ليلى هي تجسيد القمر نفسه، وأنه تم إخفاؤها بين البشر لحمايتها من لعنة أكبر كانت ستدمر الأرض بأكملها. كان على ليلى أن تختار بين البقاء مع البشر أو العودة إلى السماء.

القرار الأخير

شعرت ليلى بثقل المسؤولية. كانت تحب قريتها وحياتها بين البشر، لكنها أدركت أن دورها الحقيقي أكبر من ذلك. بدموع ساخنة، قالت للملكة: “أعيديني إلى السماء، لكن أعدي النور للقرية ولكل مكان.”

رفعت الملكة يدها، وفجأة شعرت ليلى بأنها تتحول إلى ضوء. ارتفعت إلى السماء، وبدأ القمر يظهر ببطء، مضيئًا القرية وكل الأرض من جديد.

السؤال للقارئ:

إذا كنت مكان ليلى، هل كنت ستختار العودة إلى السماء لإنقاذ

الجميع، أم كنت ستبقى بين البشر؟ ولماذا؟