قصص متنوعه

لوحة الأرواح

لوحة الأرواح

لوحة الأرواح

 

في أحد الأحياء القديمة التي تشع منها روح التاريخ، عاش رسام شاب يُدعى “يوسف”. كان يوسف معروفًا بموهبته الفذة، لكنه عاش حياة بسيطة بعيدًا عن الأضواء. كان يمتلك مرسمًا صغيرًا في زاوية الحي، تتناثر فيه اللوحات والفرش والألوان التي تحمل حكايات غير مكتملة.

 

ذات يوم، وبينما كان يوسف يتجول في سوق قديم، جذب انتباهه بائع عتيق يعرض لوحة خشبية متآكلة الأطراف. كانت اللوحة مختلفة تمامًا عن أي شيء رآه من قبل؛ محفورة بدقة متناهية، وكأنها تروي قصة بعيون مغلقة. توقف يوسف أمامها، وسأل البائع عنها.

 

ابتسم البائع الغامض وقال: “هذه ليست مجرد لوحة. إنها لوحة الأرواح. يُقال إنها تختار من يلمسها لتكتب قصته.”

 

ضحك يوسف بتردد، لكنه شعر بانجذاب غريب نحو اللوحة. اشتراها وأخذها إلى مرسمه، حيث قرر أن يحولها إلى لوحة جديدة. بدأ بالرسم، ولكن بمجرد أن لمس الفرشاة اللوحة، حدث شيء لم يتوقعه.

 

توهجت اللوحة بضوء غامض، وبدأت تظهر عليها صور غير مفهومة. كانت الصور تتغير بسرعة، حتى توقفت عند صورة امرأة جميلة ترتدي ثوبًا قديمًا. شعر يوسف بالخوف، لكنه لم يستطع التوقف عن النظر. فجأة، نطقت اللوحة بصوت ناعم: “أنا روح سارة. أحتاج مساعدتك.”

 

لم يصدق يوسف ما يحدث. حاول أن يتجاهل الأمر، لكنه وجد نفسه يسأل: “ماذا تريدين؟”

 

بدأت اللوحة تروي قصة سارة، وهي فتاة عاشت قبل مئات السنين. كانت ابنة حاكم ظالم استخدم قوته لسلب حقوق الناس. حاولت سارة أن تقف ضد والدها، لكنها انتهت مسجونة داخل اللوحة كعقاب على عصيانها.

 

طلبت سارة من يوسف مساعدتها في كسر اللعنة. أخبرته أن عليه أن يرسم القصة كاملة على اللوحة، لكن بشرط أن يرسمها بقلب صادق يعبر عن معاناة كل من تأذى بسبب والدها.

 

استجاب يوسف للطلب وبدأ العمل. كلما رسم جزءًا من القصة، ظهرت على اللوحة مشاهد حية للأحداث. كانت التجربة مرهقة، لكنها مدهشة. تعرّف يوسف على معاناة الناس الذين ظلمهم الحاكم، وشعر بأنه يعيش تلك الحقبة بكل تفاصيلها.

 

استغرق الأمر أيامًا طويلة حتى أكمل اللوحة. وعندما انتهى، انطفأ الضوء الغامض، وظهرت سارة مرة أخرى. شكرت يوسف بابتسامة مليئة بالامتنان، ثم قالت: “لقد حررتني، لكنك أيضًا حررت نفسك. اللوحة الآن ملكك، فاستخدمها بحكمة.”

 

اختفت سارة، وعاد المرسم إلى هدوئه. شعر يوسف بارتياح غريب، لكنه كان يدرك أن حياته لن تكون كما كانت من قبل. احتفظ باللوحة وقرر أن يستخدمها لتوثيق قصص الناس الذين عاشوا الظلم والألم، ليُعطيهم صوتًا من خلال فنه.

 

السؤال للقارئ

هل تعتقد أن للفن قوة تفوق التعبير عن الجمال لتصل إلى تحرير ا

لأرواح وتوثيق المظلومين؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى