لحن من عالم آخر

في أحد الأيام الهادئة في بلدة صغيرة، كانت الحياة تسير بوتيرة بطيئة ورتيبة. لم يكن هناك ما يثير الدهشة أو الحماسة في تلك البلدة، حتى ظهر ذلك اللحن الذي أتى من عالم آخر.

البداية: اللحن الغريب

كان سامر، شابًا يعشق الموسيقى، يسير في أحد الحقول القريبة من منزله في ليلة صيفية هادئة. بينما كان يتأمل النجوم، سمع صوت لحنٍ غريب ينبعث من بين الأشجار. لم يكن الصوت يشبه أي شيء سمعه من قبل؛ كان مزيجًا بين ألحان البيانو وأصوات الكمان مع نغمات غامضة لم يستطع تحديد مصدرها. بدا وكأنه قادم من مكان بعيد، لكنه كان واضحًا كما لو أنه يعزف بالقرب منه.

انجذب سامر نحو الصوت كأنه منوَّم، ودفعه فضوله ليتبع اللحن عبر الحقول والغابات. كلما اقترب من مصدر الصوت، شعر بقشعريرة تسري في جسده، لكنه لم يستطع التوقف.

الاكتشاف المذهل

قاد اللحن سامر إلى كهف قديم لم يلاحظه من قبل، رغم أنه كان يمر بتلك المنطقة يوميًا. عند مدخل الكهف، لاحظ أن الضوء الخافت ينبعث من الداخل، مع استمرار اللحن العجيب. تساءل بفضول: “ما الذي يمكن أن يكون داخل هذا الكهف؟”

دخل سامر بحذر، وكلما تعمق في الكهف، زاد وضوح اللحن وزادت دهشته. فجأة، وجد غرفة صغيرة في عمق الكهف، كانت مضاءة بلون أزرق غريب ينبعث من أداة موسيقية لا تشبه أي شيء رآه من قبل. كانت الأداة مزيجًا بين العود والغيتار، لكنها تبدو وكأنها ليست من هذا العالم.

اللقاء مع الحارس

بينما كان سامر يحدق في الأداة باندهاش، ظهر رجل مسن يبدو وكأنه خرج من صفحات كتاب قديم. كان يرتدي ملابس غريبة مزينة بنقوش ذهبية، وعيناه تشعان بحكمة عميقة.

قال الرجل بصوت هادئ: “أهلاً بك، سامر. كنت أنتظر شخصًا يملك قلبًا نقيًا ليستطيع سماع اللحن.”

تفاجأ سامر وقال: “كيف تعرف اسمي؟ وما هذا المكان؟ وما هذه الأداة؟”

ابتسم الرجل وقال: “هذا الكهف هو بوابة بين العوالم، وهذه الأداة تُسمى ‘السيمفونيكا’. إنها تعزف لحنًا يربط بين عالمنا وعالم آخر مليء بالأسرار والجمال. لكن استخدامها يتطلب شجاعة وحكمة.”

المهمة الغامضة

أخبر الرجل سامر أن السيمفونيكا تختار شخصًا واحدًا فقط كل مئة عام ليكون حارسها الجديد. هذا الشخص يجب أن يكون قادرًا على فهم اللحن ونقله إلى العالم. لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة. قال الرجل: “قبل أن تصبح الحارس، عليك أن تجتاز ثلاثة اختبارات.”

وافق سامر دون تردد، وشعر بأنه على وشك خوض مغامرة لا تُنسى.

الاختبار الأول: لحن الروح

قاد الرجل سامر إلى قاعة واسعة داخل الكهف، حيث كانت هناك مرآة عملاقة. قال له: “لحن الروح هو انعكاس لما في داخلك. عزف السيمفونيكا سيُظهر حقيقتك في هذه المرآة. إذا كانت روحك نقية، ستتمكن من العبور.”

بدأ سامر يعزف على السيمفونيكا، وشعر بأن الأداة كانت تنبض بالحياة بين يديه. انعكس اللحن على المرآة، ورأى سامر صورًا من ماضيه، أوقاتًا كان فيها سعيدًا وأخرى كان فيها حزينًا. لكنه لاحظ أن الضوء الأزرق ظل مشعًا، مما يعني أنه نجح في الاختبار الأول.

الاختبار الثاني: وادي الصدى

بعد اجتياز الاختبار الأول، قاد الرجل سامر إلى وادٍ مظلم حيث كان الصدى يتردد في كل مكان. قال الرجل: “لحن السيمفونيكا يجب أن يتناغم مع صدى هذا الوادي. إذا اختل التوازن، فلن تستطيع إكمال المهمة.”

عزف سامر بحذر، محاولًا تعديل النغمات لتتناسب مع صدى الوادي. كان التحدي صعبًا، لكنه تمكن من إيجاد التوازن المثالي بعد ساعات من المحاولة.

الاختبار الثالث: باب العوالم

وصل سامر أخيرًا إلى باب ضخم مزين برموز غريبة. قال الرجل: “هذا هو الاختبار الأخير. عليك أن تعزف لحنًا يفتح هذا الباب، لكن انتبه: الباب لن يُفتح إلا إذا كانت نواياك صادقة.”

جمع سامر شجاعته وبدأ يعزف. كانت النغمات تخرج من السيمفونيكا كأنها تتحدث بلغة خاصة. بعد دقائق من العزف، بدأ الباب يفتح ببطء، مشيرًا إلى أن سامر نجح في الاختبار الثالث.

النهاية: اللحن الأبدي

دخل سامر عبر الباب ووجد نفسه في عالم مليء بالألوان والأصوات الجميلة. قال الرجل: “لقد أصبحت الآن حارس السيمفونيكا. مهمتك هي أن تنقل هذا اللحن إلى العالم، ليعرف الناس أن الموسيقى يمكن أن تكون جسرًا بين العوالم.”

عاد سامر إلى بلدته ومعه السيمفونيكا، وأصبح يعزف للناس لحنًا يملأ قلوبهم بالسلام والسعادة. أصبح اللحن رمزًا للأمل، ولم يعد العالم كما كان.

خاتمة

قصة سامر والسيمفونيكا تُظهر أن الموسيقى ليست مجرد أصوات، بل هي لغة تربط بين الأرواح والعوالم. اللحن الذي جاء من عالم آخر غيّر حياة سامر، وربما يستطيع تغيير حياتنا نحن أيضًا إذا أصغينا له بقلوبنا.