غريب في وطنه

غريب في وطنه

في أحد أحياء القاهرة القديمة، عاش شاب يدعى “أدهم”. وُلد وترعرع في هذه الأزقة الضيقة المليئة بالحكايات، لكنه دائمًا ما شعر أنه غريب في وطنه، وكأن روحه تبحث عن مكان آخر لا يعرفه بعد. كانت عائلته متوسطة الحال، تعمل في التجارة، لكن أدهم كان مختلفًا عن الجميع. لم يكن يهتم بالأرباح أو البيع والشراء، بل كانت تساؤلاته تتجاوز حدود الحياة اليومية.

منذ صغره، كان أدهم محبًا للكتب والقراءة. كان يمضي ساعات طويلة في مكتبة جده، يتنقل بين صفحات الكتب القديمة التي تحكي عن عصور ازدهار الحضارة الإسلامية والفنون والفلسفة. كان يشعر بتناقض عميق بين ما يقرأه عن المجد الذي عاشته هذه الأرض وبين الواقع الذي يراه حوله.

الحلم الكبير

في إحدى الليالي الهادئة، جلس أدهم في شرفته المطلة على الأزقة المظلمة. نظر إلى السماء، وشعر برغبة عارمة في الهروب. كان يتساءل: “هل يمكنني أن أجد مكانًا يفهمني؟ هل هناك بقعة في هذا العالم تناسب أحلامي وتطلعاتي؟”

بدأ يبحث على الإنترنت عن منح دراسية وفرص للسفر. قرأ عن ثقافات مختلفة ومدن مليئة بالحياة والفنون، لكنه كان دائمًا يعود إلى نفس السؤال: “هل المشكلة في المكان أم فيّ؟”

المواجهة

في يوم من الأيام، وبينما كان يشارك أفكاره مع صديقه الوحيد “يوسف”، قال له يوسف: “يا أدهم، الغربة مش بس مكان. الغربة أحيانًا بتكون في الروح. يمكن المشكلة مش في بلدك، يمكن المشكلة إنك لسه ما اكتشفتش دورك هنا.”

تأثر أدهم بكلمات يوسف وقرر أن يعطي فرصة لوطنه. بدأ يشارك في مبادرات شبابية لتطوير الحي الذي يعيش فيه. أسس مكتبة صغيرة للأطفال، وعلمهم القراءة وفتح أمامهم آفاقًا جديدة. رأى في عيونهم الأمل والشغف الذي كان يفتقده.

التغيير الداخلي

مع الوقت، بدأ أدهم يشعر بانتماء جديد لوطنه. اكتشف أن التغيير يبدأ من الداخل. الوطن ليس مجرد مكان، بل هو إحساس بالمسؤولية والقدرة على التأثير. أدرك أن شعوره بالغربة كان نتيجة عدم إيجاد دوره الحقيقي.

أصبح أدهم مصدر إلهام للشباب في حيه. بدأ يكتب قصصًا عن الأمل والتغيير وينشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. حصدت كتاباته إعجاب الآلاف، وتحولت مكتبته الصغيرة إلى مركز ثقافي يجذب الزوار من كل مكان.

العودة إلى الجذور

بعد سنوات من العمل والاجتهاد، حصل أدهم على فرصة للسفر وحضور مؤتمر دولي في ألمانيا. ورغم سعادته بالسفر، إلا أنه شعر بالحنين لوطنه. أدرك حينها أن الغربة الحقيقية ليست في المكان، بل في الابتعاد عن الهدف والرسالة.

عاد أدهم إلى وطنه بعد المؤتمر، وبدأ في توسيع مشروعه الثقافي ليشمل أحياء أخرى. أصبح قدوة للشباب، ومثالًا على أن التغيير يبدأ من الداخل.

السؤال للقارئ

هل شعرت يومًا بأنك غريب في و

طنك؟ وكيف تعاملت مع هذا الشعور؟