في أعماق الصحراء الهادئة، حيث يلتقي الأفق بالسماء الصافية، عاش طائر الهدهد في إحدى واحات النخيل. كان الهدهد يتميز بريشه المتدرج بين البني والأسود، وتاجه المرتفع الذي يعطيه مظهرًا مهيبًا. لم يكن الهدهد طائرًا عاديًا، بل كان رسولًا أمينًا وشجاعًا عُرف في زمن النبي سليمان عليه السلام.
اللقاء بالنبي سليمان
كان النبي سليمان عليه السلام ملكًا عظيمًا وحكيمًا أُوتي من كل شيء، وسخرت له الرياح والجن والطير. كان الهدهد جزءًا من هذا الجيش المهيب. في أحد الأيام، لاحظ النبي سليمان غياب الهدهد عن مكانه أثناء اجتماع الطيور. سأل عنه قائلًا: “مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ؟”
أدرك الجميع أن غياب الهدهد غير مألوف، فالهدهد كان طائرًا معروفًا بدقته وولائه. لكنه لم يكن غائبًا دون سبب. كان الهدهد قد انطلق في مهمة استطلاعية بعيدًا عن مملكة سليمان.
اكتشاف مملكة سبأ
عاد الهدهد بعد وقت ليس بالطويل، وفي عينيه بريق يوحي باكتشاف عظيم. اقترب من النبي سليمان وقال بحماس: “أَحَطتُ بِمَا لَم تُحِط بِهِ، وَجِئتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِين. إِنِّي وَجَدتُّ ٱمۡرَأَةٗ تَمۡلِكُهُمۡ وَأُوتِيَتۡ مِن كُلِّ شَيۡءٖ وَلَهَا عَرۡشٌ عَظِيمٌ.”
كان الحديث عن ملكة سبأ وزعامتها التي تميزت بالحكمة والقوة. لكن ما أثار اهتمام الهدهد هو أنهم كانوا يعبدون الشمس من دون الله. استمع النبي سليمان إلى تقرير الهدهد بحكمة وهدوء، وأمره بأن يحمل رسالة إلى تلك الملكة، يدعوها وقومها إلى عبادة الله الواحد.
الهدهد في مهمة الرسالة
طار الهدهد حاملًا رسالة النبي سليمان. كان الطيران إلى سبأ مهمة شاقة، لكن الهدهد كان مصممًا على إيصال الرسالة. وصل إلى القصر الملكي، حيث كان عرش الملكة بلقيس يتوسط القاعة الفاخرة. وضع الرسالة أمام الملكة وانسحب باحترام.
قرأت الملكة الرسالة، وجاء فيها: “إِنَّهُۥ مِن سُلَيۡمَٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ. أَلَّا تَعۡلُواْ عَلَيَّ وَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ.”
أدركت الملكة أن الرسالة ليست من إنسان عادي، بل من ملك ونبي عظيم. بعد التشاور مع مستشاريها، قررت إرسال هدية إلى سليمان لاختبار صدقه وقوته.
الحكمة تتفوق
عندما وصلت هدية بلقيس إلى سليمان، رفضها قائلاً: “أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ ءَاتَىٰنِ ٱللَّهُ خَيۡرٞ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُمۡۖ بَلۡ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمۡ تَفۡرَحُونَ.” وأرسل إليهم تهديدًا بالقدوم بجنود لا قبل لهم بها إن لم يأتوا مسلمين.
قررت الملكة زيارة سليمان بنفسها. ولإظهار قوته وحكمته، أمر النبي سليمان بنقل عرشها إلى مملكته قبل وصولها. عندما دخلت الملكة القصر ورأت عرشها، أدركت أن سليمان نبي مرسل، وآمنت بالله رب العالمين.
دور الهدهد العظيم
كان الهدهد شاهدًا على هذا التحول الكبير. لعب دوره بمهارة وحكمة، وكان رسولًا أمينًا في إيصال الرسالة. لم يكن دوره مقتصرًا على الطيران وحمل الرسائل، بل كان جزءًا من خطة عظيمة لتحقيق الهداية.
نهاية القصة
عاد الهدهد إلى مكانه بين الطيور، رافعًا رأسه فخرًا بما أنجزه. كان يعلم أن رسالته لم تكن مجرد كلمات، بل كانت نورًا قاد أمة إلى عبادة الله.
والآن، عزيزي القارئ، ما رأيك بدور الهدهد في هذه القصة؟ وهل يمكننا أن نتعلم من شجاعته وحكمته في حياتنا اليومية؟ شاركنا أفكارك!