صرخات من تحت الأرض

صرخات من تحت الأرض

كانت القرية الصغيرة، المحاطة بالجبال الشاهقة والغابات الكثيفة، تعيش في سلام منذ عقود. أهلها كانوا يروون الأساطير عن كائنات غامضة تسكن تحت الأرض، لكن الجميع اعتبرها مجرد خرافات تناقلها الأجداد. لم يكن أحد يتخيل أن شيئًا من تلك القصص يمكن أن يكون حقيقيًا، حتى وقعت الحادثة التي هزت القرية بأكملها.

في أحد الأيام، وبينما كان العمال يعملون على حفر بئر جديد لتوفير المياه للقرية، سمعوا صوتًا غريبًا. كان الصوت خافتًا في البداية، يشبه الهمسات، لكنه سرعان ما تصاعد ليصبح صرخات عالية وقوية. توقف الجميع عن العمل ونظروا إلى بعضهم في خوف. قال أحدهم بصوت مرتجف:
“هل تسمعون ذلك؟ هناك شيء في الأسفل!”

تجمعت القرية بأكملها حول موقع الحفر، والرهبة تملأ قلوبهم. حاول كبير القرية، الشيخ إبراهيم، تهدئة الجميع، لكنه بنفسه كان يشعر بشيء غير طبيعي. قرر أن يرسل اثنين من الشجعان، علي وحسن، للنزول إلى داخل الحفرة لمعرفة مصدر الصرخات.

النزول إلى المجهول

نزل علي وحسن بحذر، مصطحبين معهم فوانيس قديمة وحبالًا متينة. كلما تعمقا أكثر، أصبحت الأصوات أكثر وضوحًا، لكنها لم تكن تشبه صرخات بشر عادية. كانت مزيجًا من الألم والغضب، وكأنها صرخات أرواح معذبة.

في أسفل الحفرة، اكتشف الرجلان ممرًا ضيقًا يقود إلى مغارة كبيرة مظلمة. الجدران كانت مغطاة بنقوش غريبة لم يسبق لهما أن شاهدا مثلها من قبل. صور لمخلوقات ذات أعين متوهجة وأجنحة كبيرة. كان الجو خانقًا، والهواء مشبعًا برائحة كريهة.

قال حسن:
“هذا ليس مكانًا عاديًا. علينا أن نعود ونخبر الجميع.”
لكن علي، مدفوعًا بالفضول، أصر على التقدم.

اللقاء الأول

بينما كانا يمشيان داخل المغارة، انبعثت ضوء خافت من بعيد. اقتربا بحذر ليجدا كيانًا غريبًا يقف في وسط الغرفة. كان مخلوقًا شبه بشري، لكن وجهه مشوه وأطرافه طويلة بشكل غير طبيعي. كان المخلوق محبوسًا داخل قفص كبير، ويبدو عليه أنه يعاني.

حينما رأى الرجلان المخلوق، بدأت الصرخات مرة أخرى، لكنها هذه المرة كانت تأتي مباشرة من داخله. لم تكن تلك الصرخات صوتًا عاديًا، بل كانت تدخل في عقولهم، تثير خوفًا عميقًا وشعورًا بالخطر.

قال المخلوق بصوت متقطع:
“ساعدوني… لقد حبست هنا لقرون. إن أطلقتم سراحي، سأكافئكم.”

تردد الرجلان. علي أراد مساعدته، بينما حسن شعر بأن هناك خطبًا ما. حاول إقناع علي بالعودة، لكن الأخير لم يستمع. قام علي بفتح القفل الغريب باستخدام أداة كان يحملها، وما إن فُتح القفص حتى اهتزت الأرض بعنف.

القرية في خطر

في الأعلى، شعر أهل القرية بالهزات الأرضية وبدأوا بالهرب من المكان. الشيخ إبراهيم، الذي كان يراقب الوضع، صرخ:
“لقد أيقظوا شيئًا لم يكن يجب إيقاظه!”

انطلق مخلوق ضخم من تحت الأرض، محطماً الصخور ومتجهًا نحو القرية. كان هذا الكيان أكثر رعبًا مما وصفته النقوش؛ عيون متوهجة، وأطراف حادة، وأجنحة ضخمة تحلق به في الهواء.

بدأ المخلوق بإحداث دمار هائل، مهاجمًا كل ما يقف في طريقه. حاول أهل القرية الهروب، لكن المخلوق كان أسرع وأقوى.

كشف الحقيقة

علي وحسن، اللذان خرجا من الحفرة، شاهدا الكارثة التي تسببا فيها. شعر علي بالندم، بينما حاول حسن التفكير بسرعة لإنقاذ الموقف. توجه الاثنان إلى الشيخ إبراهيم، الذي كان يحمل كتابًا قديمًا ورثه عن أجداده.

قال الشيخ:
“هذا المخلوق كان محبوسًا لسبب. أجدادنا تمكنوا من حبسه باستخدام تعويذة قديمة، لكنها تحتاج إلى تضحيات.”

نظر علي إلى حسن، وقال:
“أنا السبب في إطلاقه. يجب أن أكون التضحية.”

حاول حسن منعه، لكن علي كان مصممًا. قام الشيخ بتلاوة التعويذة، وعندما انتهى، تحول علي إلى نور ساطع اجتاح المخلوق وأعاد حبسه تحت الأرض.

عودة الهدوء

عاد الهدوء إلى القرية، لكن الجميع كانوا يعلمون أن الخطر لا يزال تحت أقدامهم. تم إغلاق الحفرة، وأمر الشيخ إبراهيم بعدم الاقتراب من المكان مجددًا.

أصبح علي أسطورة يرويها أهل القرية، بطلًا دفع حياته لإعادة السلام. لكن في الليل، عندما تهدأ الأصوات، كان البعض يقول إنه يمكن سماع صرخات خافتة تأتي من تحت الأرض، تحذر الجميع من الاقتراب.

النهاية.