صانع الأقنعة

صانع الأقنعة: سر الوجوه الخفية

في أحد الأزقة الضيقة في مدينة قديمة مليئة بالتاريخ والغموض، عاش رجل يُدعى “يونس”، اشتهر بين الناس باسم “صانع الأقنعة”. لم يكن يونس مجرد حرفي عادي بل كان فنانًا ذا موهبة استثنائية. فقد كان يصنع أقنعة تتجاوز جمالها حدود المعقول وتخفي وراءها أسرارًا لا يعرفها أحد.

بداية الحكاية

عاش يونس وحيدًا في ورشة صغيرة ورثها عن والده، الذي كان بدوره صانع أقنعة محترف. لكن يونس لم يكن يصنع الأقنعة لمجرد البيع أو الزينة، بل كان يعتبرها جزءًا من شخصيته. كل قناع يصنعه يحمل روحًا أو قصة يضعها فيه من خياله الواسع.

كان الناس يأتون إليه من كل حدب وصوب؛ بعضهم يريد أقنعة للمهرجانات، وبعضهم لأغراض مسرحية، بينما آخرون يطلبون أقنعة تُخفي هويتهم. لكن ما كان يميّز أعمال يونس هو قدرته على إضفاء طابع غامض وساحر على كل قناع يصنعه، حتى يشعر مرتديه بأنه أصبح شخصًا آخر تمامًا.

القناع الغريب

في أحد الأيام، وبينما كان يونس يعمل على قناع جديد، دخل عليه رجل مسنّ غريب الهيئة. كان يرتدي عباءة سوداء طويلة وقبعة تُخفي معالم وجهه. تقدم الرجل ببطء ووضع حقيبة صغيرة على الطاولة وقال بصوت هادئ:

“أريد منك أن تصنع لي قناعًا لا مثيل له، قناعًا يكشف الحقيقة ولا يخفيها”.

نظر يونس إليه بفضول، ثم سأل: “قناع يكشف الحقيقة؟ لم أفعل ذلك من قبل!”

ردّ الرجل بابتسامة غامضة: “ستعرف كيف تصنعه… الوقت سيكشف لك السر”.

ترك الرجل الحقيبة على الطاولة واختفى من دون أن يوضح أي شيء آخر. فتح يونس الحقيبة ليجد بداخلها مواد غريبة لم يرَ مثلها من قبل؛ كانت تشبه الطين الأسود لكنها تُشعّ ببريق فضي غريب. شعر يونس بالحماس والفضول، وقرر أن يبدأ فورًا في صناعة هذا القناع الغريب.

السحر يبدأ

قضى يونس أيامًا وليالي يعمل على هذا القناع، ولم يشعر بالوقت وهو ينحت الملامح ويضيف التفاصيل بدقة متناهية. كل مرة يضع فيها يده على الطين يشعر كأن طاقة غريبة تتدفق من بين أصابعه.

وبعد أسبوعين من العمل الشاق، انتهى يونس أخيرًا من القناع. رفعه أمام الضوء ليتأمله؛ كان قناعًا مذهلًا لا يُشبه أي شيء صنعه من قبل. كان وجهه يشع بهدوء، ملامحه متقنة وجماله غريب بشكل لا يوصف.

اختبار القناع

في اليوم التالي، وضع يونس القناع على وجهه ليجربه. لكنه ما إن ارتداه حتى تغير كل شيء. فجأة، بدأ يرى ما لم يكن يراه من قبل؛ وجوه الناس من حوله أصبحت شفافة، وكأن أقنعتهم الحقيقية تتلاشى ليكشفوا عن مشاعرهم وأفكارهم المخفية. رأى الابتسامة الزائفة عند جاره الذي كان يدّعي المحبة، وعيون الحسد عند صديقه الذي كان يتظاهر بالسعادة له.

شعر يونس بالرعب والدهشة في الوقت نفسه. “هل هذا ما قصده الرجل المسن؟” قال لنفسه. القناع لم يُخفِ هويته، بل كشف له حقيقة الناس كما لم يرها من قبل.

لعنة القناع

في الأيام التالية، بدأ الناس يلاحظون تغير يونس. كان يبدو متوترًا ومتعبًا، ولم يعد يرحب بالزوار كما كان من قبل. الحقيقة التي كشفها له القناع كانت ثقيلة عليه، فالناس الذين اعتقد أنهم محبون ومخلصون، كانوا في الواقع يحملون مشاعر معقدة ومتناقضة.

قرر يونس التخلص من القناع، لكنه اكتشف أنه كلما حاول حرقه أو تكسيره، يعود القناع كما هو. كان القناع يلاحقه في أحلامه وفي يقظته، ويُذكره دومًا بالحقيقة التي حاول نسيانها.

الحلّ الأخير

أدرك يونس أن عليه مواجهة الرجل المسنّ لفهم اللغز وإنهاء اللعنة. عاد إلى الزقاق الذي ظهر فيه الرجل أول مرة ووجد نفسه يسير في طريق طويل مظلم. وفي نهاية الطريق، وجد الرجل جالسًا بانتظاره.

قال يونس بغضب: “ما الذي فعلته بي؟ هذا القناع دمر حياتي!”

أجابه الرجل بهدوء: “الحقيقة دائمًا صعبة، لكن الهروب منها أصعب. هذا القناع لم يُدمرك بل كشف لك ما كنت ترفض رؤيته. الخيار لك الآن؛ إما أن تقبل الحقيقة وتتعايش معها، أو تعود إلى الجهل المريح”.

فكر يونس طويلًا قبل أن يُقرر وضع القناع جانبًا. عاد إلى ورشته، لكنه لم يعد كما كان. أصبح أكثر حكمة وتفهمًا لحقيقة البشر. لم يصنع أقنعة تكشف الحقيقة مرة أخرى، بل عاد لصناعة أقنعة تُجمّل العالم وتعطي الناس مساحة ليكونوا ما يريدون أن يكونوا.

النهاية

ورغم أن الكثيرين لم يعرفوا أبدًا سرّ القناع العجيب، ظل يونس محتفظًا به كذكرى داخل خزانته القديمة. كان القناع يرمز إلى درسه الأعظم: أحيانًا تكون الحقيقة أثقل مما نتحمل، لكن تقبّلها هو السبيل الوحيد للسلام الداخلي.

وهكذا أصبح “صانع الأقنعة” ليس مجرد حرفي بل أسطورة تُحكى في تلك المدينة القديمة، وورث الناس عنه حكمته التي ت

قول: “أنت لست ما تُخفيه بل ما تُظهره للعالم”.

—