دموع على جسر الوداع

دموع على جسر الوداع

عالم القصص

كان الصباحُ هادئًا، والسماء مُغطاة بغيوم رمادية تنذر بمطرٍ قادم. وقف كريم على جسر المدينة القديم، حيث تعوّد أن يلجأ إليه كلما ضاقت به الدنيا. كان الجسرُ شاهداً على سنواتٍ من حياته، من لحظات السعادة إلى أكثر الأوقات ألمًا. لكن اليوم كان مختلفًا؛ كان يحمل وداعًا خاصًا.

عالم القصص

كريم شابٌ في الثلاثينيات من عمره، طموحٌ وهادئ الطباع. عاش حياةً بسيطة في مدينته الصغيرة. أحبَّ العمل في مكتبة والده القديمة، حيث أمضى ساعاتٍ طويلة بين صفحات الكتب. لم يكن كريم يتوقع أن تقوده الأقدار إلى حب حياته، ليلى، التي دخلت المكتبة ذات يومٍ باحثةً عن كتاب نادر. كانت ليلى شابةً جميلة، مرحة، وشغوفة بالحياة. سرعان ما تبادلا أطراف الحديث، وتحول اللقاء العابر إلى علاقة مليئة بالحب والتفاهم.

عالم القصص

مرت السنوات، وكبر الحب بين كريم وليلى، لكن الحياة لم تكن دائمًا سهلة. اضطر كريم إلى السفر للعمل في مدينة أخرى لتحسين أوضاعه المالية. كان الوداع الأول بينهما صعبًا، لكنه كان يحمل وعدًا باللقاء قريبًا. كانا يتواصلان يوميًا عبر الرسائل والمكالمات، يبثان لبعضهما الشوق والآمال.

عالم القصص

لكن القدر قرر أن يضعهما أمام اختبارٍ أصعب. بعد عامين من الغربة، علم كريم أن ليلى خُطبت لشخصٍ آخر بضغط من عائلتها. لم يكن ذلك بسبب نقصٍ في حبها لكريم، بل بسبب الظروف التي دفعتها لاتخاذ هذا القرار الصعب. شعر كريم وكأن الدنيا انقلبت عليه. كيف يمكن لحبٍ بهذا العمق أن ينتهي بهذه الطريقة؟

عالم القصص

قرر كريم العودة إلى مدينته، ليس لأجل المواجهة، بل ليعيش اللحظة الأخيرة مع ذكرياته. اختار جسر المدينة القديم ليكون مكان اللقاء الأخير مع نفسه وحبه الذي انتهى. حمل معه رسالةً كتبها لليلى، كلماتٍ مليئة بالشوق والأسى، لكنه لم يكن ينوي تسليمها. كان يريد فقط أن يتركها على الجسر كشهادةٍ على حبه.

عالم القصص

حين وصل إلى الجسر، وجد أن المطر بدأ يتساقط، وكأن السماء تشاركه حزنه. جلس على حافة الجسر، متأملًا في المياه الجارية تحته. فجأة، سمع صوت خطوات خلفه. استدار ليجد ليلى تقف هناك، تحمل مظلةً وتحاول حماية نفسها من المطر. كانت نظراتها مليئة بالتردد، لكنها سرعان ما انكسرت أمام حدة مشاعره.

“كريم… لم أستطع الرحيل دون أن أراك مرةً أخيرة.” قالت بصوتٍ مرتجف.

عالم القصص

“ليلى، لماذا؟” سألها كريم بنبرةٍ تجمع بين الألم والتوسل. “لماذا انتهى كل شيء بهذه الطريقة؟”

تنهدت ليلى وأجابت: “أحيانًا تكون الحياة أقسى مما نتخيل. حاولت أن أقاوم، حاولت أن أتمسك بنا، لكنني لم أستطع.”

وقف كريم ينظر إليها، وفي عينيه دموع تتصارع مع كبريائه. “أحببتك بكل ما لدي، ولم أكن يومًا أتخيل أنني سأفقدك.”

اقتربت ليلى منه وقالت: “ولن تفقدني أبدًا. الحب الحقيقي لا يموت، حتى لو افترقت الأجساد. ستظل دائمًا جزءًا مني.”

عالم القصص

ترك كريم الرسالة على الجسر، وانسحب بهدوء دون أن ينطق بكلمة أخرى. بقيت ليلى تنظر إليه وهو يبتعد، وعيناها ممتلئتان بالدموع. قرأت الرسالة بعد رحيله، وأدركت أن الحب الذي جمعهما كان أعمق من أي عقبةٍ في الحياة. لكنها كانت تعلم أيضًا أن الوقت قد فات.

عالم القصص

عاد كريم إلى حياته، محاولًا بناء مستقبله من جديد. أما ليلى، فقد عاشت حياتها مع الرجل الذي اختارته عائلتها، لكنها لم تنسَ أبدًا اللحظات التي عاشتها مع كريم. بقي جسر المدينة شاهدًا على قصتهما، وكأن الزمن توقف هناك.

هل تعتقد أن الحب الحقيقي يمكن أن ينجو رغم كل العقبات؟ شاركنا رأيك في التعليقات.