حلم الوردة الزرقاء

حلم الوردة الزرقاء

في زاوية بعيدة من حديقة عريقة تغمرها ألوان الزهور المختلفة، نبتت وردة زرقاء. لم تكن كبقية الورود، إذ كانت تحمل لونًا فريدًا بين أقرانها. بينما كانت الورود الأخرى تتباهى بألوانها الزاهية من الأحمر والوردي والأبيض، شعرت الوردة الزرقاء بغربة. كانت تعرف أنها مميزة، لكنها كانت تعاني من نظرات الازدراء من الزهور الأخرى.

ذات يوم، وهمست وردة حمراء قريبة إلى جارتها البيضاء، “لماذا هي هنا؟ نحن هنا لنضيف البهجة والدفء. أما هي، فلونها كئيب وكأنها قادمة من عالم الحزن.”

أثّرت هذه الكلمات في الوردة الزرقاء، لكنها لم تظهر أي انزعاج. كانت تعرف أن هناك سببًا لوجودها، لكنها لم تكتشفه بعد. أمضت الليالي الطويلة تحدّق في السماء، متسائلة عن دورها في هذا العالم.

في إحدى الليالي، وهي تتأمل النجوم المتلألئة، شعرت بشيء غريب. ظهرت أمامها نجمة لامعة أكبر من باقي النجوم، وانخفض ضياؤها تدريجيًا حتى أصبحت تبدو كأنها تقترب منها. همست النجمة بلطف، “أيتها الوردة الزرقاء، لا تحزني. لديك حلم كبير ينتظرك. أنت لست هنا صدفة.”

تساءلت الوردة الزرقاء باندهاش، “لكن، ما هو حلمي؟”

ابتسمت النجمة قائلة، “لا أحد يعرف حلمه قبل أن يبدأ رحلة اكتشافه. اصبري، وستعرفين.”

مع إشراقة الفجر، شعرت الوردة الزرقاء بحماس جديد. كانت كلمات النجمة قد أشعلت فيها شغفًا لاكتشاف حلمها. بدأت تراقب العالم من حولها بعين مختلفة.

في يوم من الأيام، اقترب طفل صغير من الحديقة. كان يبدو حزينًا، وعيناه تبحثان عن شيء مفقود. وقف أمام الوردة الزرقاء وحدّق فيها طويلاً. ثم جلس بجانبها وبدأ يحكي بصوت خافت، كأنه يتحدث إلى صديق قديم.

قال الطفل، “لطالما كنت أبحث عن شيء مختلف، شيء يجعلني أشعر أن الحياة ليست مملة. هل تعرفين؟ الورود الأخرى جميلة، لكنها متشابهة. أما أنت، فأنت مختلفة.”

شعرت الوردة الزرقاء بدفء الكلمات، كأنها أخيرًا تجد من يفهمها. استمرت في الاستماع إلى الطفل الذي كان يعود إليها يومًا بعد يوم، يحمل معه قصصًا عن أحلامه وأحزانه.

مع مرور الوقت، أدركت الوردة الزرقاء أنها ليست مجرد زهرة، بل كانت ملهمة. كانت تلهم الطفل بشجاعتها في التفرّد وتعلمه أن الجمال الحقيقي يكمن في الاختلاف.

ذات صباح، جاء الطفل ومعه دفتر رسم وأقلام ألوان. جلس بجانب الوردة الزرقاء وبدأ يرسمها. كان الرسم مليئًا بالتفاصيل، وحرص الطفل على أن يجعل لون الوردة الزرقاء يلمع كما هو في الواقع. عندما انتهى، قال بفخر، “هذا هو حلمي! أريد أن أصبح فنانًا، وأن أرسم أشياء مختلفة وجميلة مثلك.”

ابتسمت الوردة الزرقاء، وأدركت أن حلمها تحقق. كان حلمها أن تكون مصدر إلهام للآخرين، وقد نجحت.

مرت الأيام، وكبر الطفل ليصبح فنانًا مشهورًا. ظل يحتفظ برسمته الأولى للوردة الزرقاء كتذكار لرحلته. أما الوردة الزرقاء، فقد استمرت في إلهام كل من يقترب منها، دون أن تفقد أبدًا إيمانها بأنها خُلقت لسبب نبيل.

وبذلك أصبحت الوردة الزرقاء رمزًا للأحلام التي تنتظر من يكتشفها، وللجمال الذي يكمن في التفرد والشجاعة.