الوعد الأخير

الوعد الأخير

في قرية صغيرة تقع على أطراف الغابة، عاش رجل يدعى سالم. كان سالم حطّابًا بسيطًا، يعمل كل يوم في الغابة لتأمين لقمة عيشه. عرفه أهل القرية بطيبة قلبه وشهامته، لكنه كان يخفي في قلبه سرًا ثقيلًا. كان هذا السر مرتبطًا بوعد قطعه منذ عشرين عامًا، وعد كان يعلم أنه سيغير حياته للأبد.

البداية

قبل عشرين عامًا، كان سالم شابًا في مقتبل العمر. في أحد الأيام، بينما كان يتجول في الغابة، عثر على رجل عجوز مصاب بجروح بالغة. حمله سالم إلى كوخه الصغير واعتنى به. الرجل العجوز، الذي كان يبدو أنه ليس من أهل القرية، قال لسالم بصوت متقطع: “لقد أنقذت حياتي، وأنا مدين لك. لكن حذارِ، هناك يوم سيأتي وسأطلب منك رد هذا الدين.”

وضع العجوز يده المرتجفة على كتف سالم وأردف: “عندما يحين الوقت، سأرسل إليك رسالة. وعليك أن تفي بالوعد، مهما كان الثمن.”

لم يأخذ سالم كلمات الرجل على محمل الجد، فقد ظن أنها مجرد هذيان شخص على وشك الموت. لكنه فوجئ في صباح اليوم التالي باختفاء العجوز من الكوخ، وكأنه لم يكن هناك.

العشرون عامًا التي مضت

مرت الأيام والسنوات، وواصل سالم حياته العادية. تزوج من فتاة طيبة تدعى ليلى، وأنجب منها طفلة جميلة سماها ندى. كانت حياته هادئة ومليئة بالسعادة، ولم يعد يتذكر وعده القديم. لكن في ليلة عاصفة، طرق الباب طرقًا غريبًا.

فتح سالم الباب ليجد ظرفًا صغيرًا ملقى على العتبة. كان الظرف يحمل اسم سالم بخط أنيق. فتحه بيدين مرتجفتين وقرأ الرسالة:
“لقد حان الوقت. تذكر وعدك. التقي بي عند شجرة السرو الكبيرة في منتصف الغابة، عند غروب الشمس.”

شعر سالم بارتباك وخوف. كان يعلم أن هذا اليوم سيأتي، لكنه لم يتخيل أن الماضي سيعود بهذه القوة.

الرحلة إلى الغابة

أخبر سالم زوجته ليلى أنه سيذهب لإنهاء عمل في الغابة وسيعود سريعًا. ودعها واحتضن ابنته الصغيرة قبل أن يخرج. شعر بشيء ثقيل يجر قلبه، لكنه لم يملك خيارًا سوى الذهاب.

عندما وصل إلى شجرة السرو الكبيرة، وجد العجوز واقفًا هناك. بدا وكأنه لم يتغير، كأن الزمن لم يمسه. قال العجوز بصوت عميق: “الوعد الذي قطعته لي منذ عشرين عامًا هو أن تساعدني في مهمة أخيرة.”

سأل سالم بتردد: “ما هي المهمة؟”

أجابه العجوز: “عليك أن تحمل هذه الحقيبة إلى قمة الجبل الأسود وتسلمها لشخص ينتظرك هناك.”

نظر سالم إلى الحقيبة. كانت ثقيلة وموشومة برموز غريبة. أراد أن يسأل عن محتواها، لكنه تردد، فهو يعلم أن الأسئلة قد تحمل إجابات لا يرغب في سماعها.

الطريق إلى الجبل الأسود

بدأ سالم رحلته إلى الجبل الأسود. كانت الطريق وعرة ومليئة بالمخاطر. واجه ذئابًا برية، وعواصف مفاجئة، وحتى أصواتًا غريبة في الظلام، لكنه استمر. كلما شعر بالإرهاق، تذكر زوجته وابنته، وتمنى أن يعود إليهما سالمًا.

عندما اقترب من قمة الجبل، بدأ يسمع أصواتًا غريبة تأتي من الحقيبة. شعر بخوف عميق، لكنه قرر ألا يتوقف. أخيرًا، وصل إلى القمة، حيث وجد رجلًا غامضًا ينتظره.

اللقاء عند القمة

كان الرجل الغامض يرتدي عباءة سوداء ووجهه مغطى. مد يده نحو الحقيبة وقال: “لقد فعلت ما طُلب منك. أعطني الحقيبة.”

تردد سالم للحظة وسأله: “ما الذي في الحقيبة؟”

أجاب الرجل بصوت هادئ: “شيء ليس من شأنك معرفته. كل ما عليك هو الوفاء بوعدك.”

قرر سالم في النهاية أن يسلم الحقيبة. وعندما فعل، شعر بارتياح غريب، وكأن عبئًا ثقيلًا أُزيح عن كتفيه.

العودة إلى القرية

عاد سالم إلى قريته بعد أيام من التعب والمخاطر. عندما وصل، وجد ليلى وندى في انتظاره. احتضنهما بقوة، وشعر لأول مرة منذ سنوات طويلة بأنه حر.

لم يسمع عن العجوز أو الرجل الغامض مرة أخرى، لكن في أعماقه، كان يعلم أنه وفى بوعده.

الخاتمة

بعد سنوات طويلة، حكى سالم قصته لابنته ندى، التي أصبحت شابة جميلة. قالت له: “لكن يا أبي، كيف عرفت أن هذا الوعد كان يستحق المخاطرة؟”

أجابها سالم بابتسامة: “لأن الرجل الذي يعطي وعدًا، يجب أن يفي به، مهما كان الثمن. هذا ما يجعلنا نعيش بشرف.”

وهكذا، عاش سالم بقية حياته بهدوء، عارفًا أن الوعد الأخير كان أعظم درس تعلمه في حياته.