النهر الذي يروي الحكايات

في قديم الزمان، في قرية صغيرة تحيطها الجبال والغابات، كان هناك نهر عجيب يُطلق عليه “نهر الحكايات”. لم يكن هذا النهر كغيره من الأنهار؛ فقد كان يروي الحكايات لمن يجلس بجانبه ويصغي لصوته المتدفق. كان سكان القرية يؤمنون أن النهر يحمل في جريانه أسرار الزمن وحكايات الأسلاف.

كانت “ليلى” فتاة صغيرة تعيش في تلك القرية، تحب سماع الحكايات وتجمعها كأنها كنوز. كانت تقضي ساعات طويلة تجلس عند ضفاف النهر، تستمع لصوت الماء وهو ينساب بين الصخور. ذات يوم، سمعت ليلى صوتًا خافتًا يشبه الهمس. أرهفت السمع، وإذا بالنهر يبدأ في سرد حكاية لم تسمعها من قبل.

“في زمن بعيد”، قال النهر بصوته المميز، “كانت هناك إمبراطورية عظيمة تقوم على ضفافي. كان ملكها عادلًا وحكيمًا، ولكن كان لديه ابن يُدعى ‘آدم’، شاب شجاع لكنه كان متمردًا.”

أخذ النهر يحكي عن الأمير آدم، الذي كان يحلم بالخروج من حدود المملكة لاكتشاف العالم. كان والده الملك يرفض بشدة، خوفًا عليه من المخاطر. ذات ليلة، قرر آدم مغادرة القصر سرًا. انطلق في رحلة طويلة، عبر الغابات الكثيفة والجبال الشاهقة، حتى وصل إلى أرض غريبة مليئة بالأسرار.

“في تلك الأرض”، واصل النهر حديثه، “التقى الأمير بحكيم عجوز يعيش في كهف عميق. أخبره الحكيم أن هناك كنزًا مخفيًا في أعماق العالم، ولكنه لن يصل إليه إلا إذا أثبت شجاعته وحكمته.”

سألت ليلى بفضول: “وماذا حدث بعد ذلك؟”

ضحك النهر بصوت خفيف وقال: “تحلَّ بالصبر، يا صغيرة. الحكايات تحتاج وقتًا لتُروى.”

استمرت ليلى في الاستماع بينما كان النهر يسرد كيف واجه الأمير آدم تحديات عديدة في رحلته. من قتال مع تنين عظيم يحرس بوابة إلى مدينة تحت الأرض، إلى حل ألغاز معقدة في معبد قديم. كل تحدٍ كان يعلمه درسًا جديدًا عن الشجاعة والحكمة والتواضع.

بعد أشهر من المغامرات، وصل الأمير إلى قلب العالم، حيث وجد صندوقًا ذهبيًا صغيرًا. فتحه بحذر، ليجد داخله مرآة سحرية. نظر فيها، وإذا به يرى انعكاسًا له، ولكن ليس كما هو. رأى نفسه ملكًا عادلًا وحكيمًا يحكم شعبه بحب وإخلاص. أدرك آدم أن الكنز الحقيقي لم يكن الذهب أو الجواهر، بل فهمه لنفسه ومعرفة قيمته الحقيقية.

عاد الأمير إلى مملكته، وقصَّ على والده كل ما مر به. تأثر الملك بحكمة ابنه وشجاعته، وقرر أن يُسلمه العرش ليقود المملكة نحو عصر جديد من الازدهار.

“وهكذا”، قال النهر مبتسمًا، “انتهت حكاية الأمير آدم. تعلمنا منها أن الشجاعة ليست فقط في مواجهة المخاطر، بل في مواجهة أنفسنا وفهم حقيقتنا.”

شعرت ليلى بالدهشة والإلهام. كانت تعلم أن النهر ليس مجرد ماء يجري، بل هو كتاب مفتوح للحكايات التي تحمل الحكمة.

مرت الأيام، وأصبحت ليلى هي من يروي الحكايات لأطفال القرية. كانت دائمًا تبدأ حديثها بجملة: “كان يا ما كان، هناك نهر يروي الحكايات…”