المكتبة المنسية

في قرية صغيرة تقع على أطراف الجبال، كانت هناك مكتبة قديمة تُعرف بالمكتبة المنسية. لم يعرف أحد متى بُنيت أو من أسسها، لكن جميع سكان القرية كانوا متفقين على أنها قديمة قِدم الزمن نفسه. كانت أبوابها الخشبية مغطاة بالنقوش الغريبة، وجدرانها مغطاة بطبقات من الطحالب الخضراء، مما جعلها تبدو كجزء من الجبل المحيط بها.

كانت المكتبة المنسية محاطة بالغموض والأساطير. يُقال إن من يدخلها يجد نفسه في عالم آخر مليء بالكتب التي تحكي عن الماضي والمستقبل وأسرار الكون. لكن الغريب أن القليل من سكان القرية كانوا يجرؤون على الاقتراب منها. كانوا يخافون من القصص التي تحكي عن أناس دخلوا المكتبة ولم يعودوا أبدًا، أو عادوا وهم مختلفون، يحملون نظرات غريبة وملامح مضطربة.

في أحد الأيام، قررت فتاة تُدعى ليلى، كانت تبلغ من العمر 16 عامًا، أن تكتشف سر المكتبة المنسية. كانت ليلى شغوفة بالكتب والمغامرات، ولم تكن تخشى الأساطير التي يخشاها الآخرون. كانت تعتقد أن المكتبة قد تحتوي على كتب نادرة قد تغير حياتها.

في صباح يوم مشرق، توجهت ليلى إلى المكتبة وحدها. عندما وقفت أمام الأبواب الخشبية، شعرت برهبة تسري في جسدها، لكنها لم تتراجع. دفعت الأبواب الثقيلة بكل قوتها، وما إن دخلت حتى شعرت بتيار هواء بارد يعانقها. كانت المكتبة أضخم مما تخيلت، تمتد رفوفها إلى ما لا نهاية، والكتب تضيء بهالة خافتة وكأنها تنبض بالحياة.

بدأت ليلى تتجول بين الرفوف، تقرأ عناوين الكتب المكتوبة بلغات لم ترها من قبل. فجأة، وجدت كتابًا صغيرًا ولامعًا يبدو مختلفًا عن باقي الكتب. عندما فتحته، شعرت بدوار خفيف، ووجدت نفسها في مكان آخر. كانت تقف في حقل مليء بالأزهار الغريبة والألوان الزاهية. بدا المشهد وكأنه حلم.

في الحقل، التقت ليلى بشخصية غريبة تُدعى “حارس المعرفة”. كان رجلاً عجوزًا ذا لحية بيضاء طويلة وعيون تتلألأ كأنها تحتوي على ملايين النجوم. أخبرها أن المكتبة المنسية ليست مجرد مكان لحفظ الكتب، بل هي بوابة لعوالم متعددة، وكل كتاب فيها يمثل عالمًا فريدًا.

قال الحارس: “لقد اخترتك المكتبة لسبب. لديك قلب نقي وروح شغوفة بالمعرفة. ولكن يجب أن تحذري، فكل كتاب يحمل أسراره الخاصة، وبعضها يمكن أن يكون خطرًا إذا لم يُقرأ بحكمة.”

بدأت ليلى رحلتها بين عوالم الكتب. كانت تنتقل من كتاب إلى آخر، تكتشف ممالك ساحرة، وحضارات مفقودة، ومستقبلات محتملة. كل عالم كان يحمل درسًا جديدًا. في أحد الكتب، تعلمت قيمة الشجاعة عندما ساعدت شعبًا محاصرًا في الهروب من خطر محدق. في كتاب آخر، اكتشفت قوة الحب والتضحية عندما أنقذت قرية صغيرة من لعنة قديمة.

لكن رحلتها لم تكن سهلة. في أحد الأيام، فتحت كتابًا مظلمًا يحمل غلافه نقوشًا مخيفة. فجأة، وجدت نفسها في عالم مليء بالظلال والمخلوقات المخيفة. كانت تلك الكائنات تحاول سرقة ذكرياتها وجعلها سجينة لذلك العالم. شعرت بالخوف والضياع، لكنها تذكرت كلمات حارس المعرفة: “اقرئي بحكمة.” بدأت تقرأ نصوص الكتاب بصوت عالٍ، ومع كل كلمة تقرؤها، كانت الظلال تتلاشى حتى اختفت تمامًا.

بعد تلك التجربة، أصبحت ليلى أكثر حرصًا. أدركت أن المعرفة قوة عظيمة، لكنها تحتاج إلى تحمل المسؤولية. وبعد أشهر من المغامرات، عادت ليلى أخيرًا إلى المكتبة المنسية. كان حارس المعرفة ينتظرها عند الباب.

قال لها: “لقد أثبتِ أنك تستحقين أسرار المكتبة. الآن، عودي إلى قريتك وانقلي ما تعلمته، لكن تذكري دائمًا أن المعرفة ليست شيئًا يُحتفظ به لنفسك فقط، بل هي نور يجب أن يُشارك مع الآخرين.”

عادت ليلى إلى قريتها وهي تحمل في قلبها قصصًا وتجارب لا تُنسى. أصبحت مصدر إلهام للجميع، تشجعهم على القراءة والمغامرة واكتشاف العالم من حولهم. وعلى الرغم من أنها لم تعد إلى المكتبة المنسية مرة أخرى، إلا أنها كانت تعرف أن أبوابها ستظل مفتوحة دائمًا لمن يستحق.

وهكذا، بقيت المكتبة المنسية رمزًا للمعرفة والغموض، مكانًا يحمل في طياته عوالم لا حصر لها، ينتظر فقط من يملك الشجاعة لاستكشافها.