المقبرة المنسية

المقبرة المنسية

في قرية نائية محاطة بالغابات الكثيفة، كانت هناك مقبرة قديمة تُعرف باسم “المقبرة المنسية”. لم يزرها أحد منذ عقود، وكانت الحكايات تدور حولها مليئة بالرعب والأساطير. قال السكان المحليون إن الأرواح الغاضبة تسكنها، وإن كل من يجرؤ على دخولها بعد منتصف الليل لن يعود أبدًا.

“عادل”، شاب مغامر يعمل صحفيًا في إحدى المجلات، كان مهووسًا بالقصص الغريبة. عندما سمع عن المقبرة المنسية، قرر أن يتحقق بنفسه. كان هدفه كتابة مقال يكشف حقيقة الأساطير التي تحيط بهذا المكان.

في ليلة مظلمة وباردة، انطلق عادل حاملًا كاميرته ومصباحًا يدويًا. وقف عند بوابة المقبرة الحديدية التي غطاها الصدأ، ودفعها بقوة حتى أصدرت صريرًا مزعجًا. أمامه امتدت صفوف من القبور القديمة، محاطة بأشجار متشابكة جعلت المكان يبدو أشبه بفخ مظلم.

بدأ عادل يتجول بين القبور، يلتقط الصور ويكتب الملاحظات. لاحظ أن بعض شواهد القبور كانت محفورة بأسماء قديمة، بينما كانت أخرى قد تآكلت بالكامل. رغم الصمت المخيف الذي خيم على المكان، لم يشعر بالخوف.

ولكن، بعد دقائق، بدأ يسمع أصواتًا خافتة تشبه الهمسات. التفت حوله، لكنه لم يرَ شيئًا. ظن أن الرياح هي السبب، وتابع تجوله. فجأة، شعر بوجود شيء يراقبه. عندما نظر إلى الكاميرا لتفقد الصور التي التقطها، وجد صورة غريبة.

كانت الصورة تظهر ظلًا مظلمًا يقف خلفه مباشرة، رغم أنه كان وحيدًا. ارتعد جسده للحظة، لكنه حاول أن يتمالك نفسه. “ربما انعكاس لشجرة أو شيء ما”، قال لنفسه، وتابع استكشافه.

اقترب عادل من قبر كبير في وسط المقبرة، عليه نقوش غير مفهومة. بدا وكأنه أقدم القبور في المكان. عندما حاول قراءة النقوش، شعر ببرودة غريبة تسري في جسده، وكأن شيئًا غير مرئي يمر من خلاله.

ثم حدث ما لم يكن في الحسبان. انطفأ المصباح اليدوي فجأة، وعم الظلام. حاول تشغيله مرة أخرى، لكن دون جدوى. أضاء شاشة هاتفه لينير المكان، وعندما رفع رأسه، رأى شيئًا جعله يتجمد في مكانه.

كان هناك كيان غريب يقف بعيدًا، مغطى بعباءة سوداء، ووجهه لا يظهر سوى عينين متوهجتين. بدأ الكيان يتحرك نحوه ببطء، لكن خطواته لم تصدر أي صوت. حاول عادل الهرب، لكنه شعر وكأن قدميه قد التصقتا بالأرض.

بدأ الكيان يهمس بكلمات غير مفهومة، لكن صوتها كان يسبب لعادل ألمًا شديدًا في رأسه. ألقى هاتفه على الأرض وغطى أذنيه، لكنه لم يستطع كتم الصوت. عندما نظر مرة أخرى، كان الكيان قد اختفى، لكن القبر الكبير بدأ يهتز وكأنه يريد الانفتاح.

صرخ عادل وحاول الركض باتجاه البوابة، لكنه تعثر وسقط. عندما رفع رأسه، وجد نفسه محاطًا بأشكال غريبة. كانوا أشبه بأشباح شفافة، تتقدم نحوه بأيدٍ ممدودة.

أغمض عينيه وبدأ يصرخ، لكنه فجأة شعر بأن المكان عاد إلى الصمت. فتح عينيه ليجد نفسه وحيدًا، والضوء قد عاد.

ركض بأقصى سرعته نحو بوابة المقبرة وخرج منها. لكنه عندما التفت مرة أخيرة نحو القبور، رأى الكيان الأسود يقف عند البوابة، يراقبه بعينيه المتوهجتين.

---

في اليوم التالي، عاد عادل إلى مكتبه وبدأ في كتابة مقاله. لكنه لاحظ شيئًا غريبًا: كل الصور التي التقطها كانت قد اختفت، باستثناء صورة واحدة.

كانت الصورة تظهر القبر الكبير، لكن النقوش عليه كانت مختلفة هذه المرة. كانت تقول: “من يدخل هذا المكان… لن يعود أبدًا كما كان.”

لم يكن عادل نفس الشخص بعد تلك الليلة. تغيرت ملامحه، وبدا وكأنه يعيش في خوف دائم. وعندما حاول زملاؤه التحدث معه عن ما حدث، كان يكتفي بالصمت، وعيناه مملوءتان بالرعب.

وفي إحدى الليالي، اختفى عادل تمامًا. عندما فتشوا مكتبه، وجدوا ملاحظاته الأخيرة مكتوبة بخط مرتجف:
“لا تذهبوا إلى المقبرة المنسية… لأن الأرواح التي تسكنها لا تنسى من يتجرأ على إزعاجها.”

—