الفتاة من النافذة

الفتاة من النافذة

في ليلة هادئة من ليالي الشتاء الباردة، جلس “عمر” في غرفته الصغيرة يراجع أوراق عمله المتراكمة. كان الشارع خاليًا، والصمت يخيم على الأرجاء إلا من صوت الرياح التي تعصف بين أشجار الحي القديم. كانت نافذة غرفته المطلة على الشارع مصدرًا دائمًا لإلهامه، حيث كان يراقب الحياة تمضي بهدوء.

في تلك الليلة، وبينما كان يحدق إلى الشاشة، لاحظ شيئًا غريبًا. خُيّل له أن هناك شخصًا يقف خلف النافذة المقابلة. توقف للحظة، ثم عاد إلى عمله معتقدًا أن عقله يعبث به بسبب الإرهاق. لكن بعد دقائق، شعر بالفضول يدفعه للنظر مجددًا. هناك، في الظلام، كانت تقف فتاة شابة ذات شعر طويل وعيون واسعة تنظر نحوه مباشرة.

لم تكن الفتاة مألوفة بالنسبة له، ولم يسبق له أن رأى أحدًا في تلك الشقة المهجورة منذ سنوات. حاول أن يتجاهل الموقف، لكنه لم يستطع. كان هناك شيء في نظراتها يجعله يشعر بأن عليها قصة تُروى.

البداية الغامضة

في اليوم التالي، استيقظ عمر وهو يشعر بشيء غريب في قلبه، كأنما حلم غير مكتمل يطارده. توجه إلى نافذته ليتأكد مما رآه الليلة الماضية، لكنه لم يجد أحدًا. إلا أن الفضول بدأ يلتهمه. قرر أن يسأل الجيران عن الشقة ومن يسكنها.

أخبرته السيدة “هدى”، التي تسكن في الطابق الأرضي، أن الشقة كانت مملوكة لعائلة قديمة لكنها ظلت مهجورة لسنوات بعد وفاة الأب والأم في حادث سيارة مأساوي. لكن لم يكن هناك حديث عن فتاة.

لقاء غير متوقع

في الليلة التالية، وبينما كان عمر يحدق في النافذة، ظهرت الفتاة مرة أخرى. كانت ترتدي فستانًا أبيض بسيطًا وشعرها يتطاير برفق كأنما هناك ريح خفية. حاول التحدث إليها، لكنه لم يسمع ردًا. فقط نظرات عميقة كانت تُلقيها عليه قبل أن تختفي ببطء في الظلام.

قرر عمر أنه بحاجة إلى تفسير. لذا، في صباح اليوم التالي، توجه إلى باب الشقة المهجورة. لكن عندما حاول فتح الباب، وجده مقفلًا. شعور غريب اجتاحه، كأنما الباب يرفض السماح له بالدخول.

البحث عن الحقيقة

بدأ عمر يبحث في سجلات الحي القديم، واستطاع الوصول إلى وثائق العائلة التي كانت تسكن الشقة. اكتشف أن العائلة كان لديها ابنة صغيرة تُدعى “ليلى”، لكن المأساة حدثت حينما اختفت ليلى ليلة الحادث ولم يُعثر على جثتها.

أصبح مقتنعًا أن الفتاة التي يراها هي “ليلى”، وأن روحها لم تجد الراحة بعد. لكنه لم يفهم لماذا كانت تظهر له بالتحديد.

مواجهة الحقيقة

في الليلة التالية، قرر أن يترك نافذته مفتوحة وينتظر ظهورها. وعندما ظهرت، جمع شجاعته وتحدث إليها بصوت مرتجف: “من أنت؟ ولماذا تظهرين لي؟”

ابتسمت الفتاة لأول مرة، وأشارت إلى مكتبه. لم يفهم الإشارة في البداية، لكنه تذكر بعد لحظات أنه عثر على دفتر قديم بين الأوراق التي كان يراجعها. الدفتر كان يحتوي على رسائل قديمة مليئة بالكلمات المؤثرة. بدأ بقراءتها بصوت عالٍ، وكأنما كانت تنتظر هذه اللحظة.

مع كل كلمة، بدأت الفتاة تختفي تدريجيًا، ولكن ليس قبل أن تترك وراءها ابتسامة مليئة بالسلام.

النهاية المفتوحة

في صباح اليوم التالي، ذهب عمر ليتأكد من الشقة مرة أخرى، لكنه وجدها فارغة تمامًا. كأنما كل ما حدث كان جزءًا من حلم. إلا أن الدفتر الذي قرأه ظل على مكتبه كدليل على أن القصة لم تكن خيالًا.

لكن سؤالًا ظل يطارده: “لماذا اختارتني ليلى لتروي قصتها؟”

ما رأيك؟ هل كانت ليلى روحًا تبحث عن الخلاص،

أم أن الأمر كان مجرد وهم صنعه عقل عمر؟