الغريب في القطار

الغريب في القطار

 

في أحد الأيام الشتوية الباردة، وبينما كانت الأمطار تتساقط بغزارة، استقل “أحمد” القطار المتجه من القاهرة إلى الإسكندرية. كان يبحث عن مقعد بجانب النافذة ليستمتع بمشاهدة المناظر الطبيعية التي تمر أثناء الرحلة، وكانت أفكاره متشابكة حول عمله الذي يستهلك معظم وقته وطموحاته المؤجلة.

 

لم يكن القطار مزدحمًا تلك الليلة، فوجد مقعدًا هادئًا بجانب النافذة. جلس وأخرج كتابًا كان قد اشتراه منذ أشهر ولكنه لم يجد وقتًا لقراءته. بينما كان يستعد لقراءة الصفحة الأولى، فوجئ بشخص غريب يجلس بجواره دون أن يطلب الإذن.

 

كان الرجل في منتصف العمر، يرتدي معطفًا أسود طويلًا وقبعة تغطي معظم وجهه. كان يحمل حقيبة صغيرة ويبدو عليه القلق. حاول أحمد تجاهل وجوده، لكنه لاحظ أن الرجل يتفحصه بنظرات حادة، وكأن لديه شيئًا مهمًا يريد قوله.

 

البداية الغامضة

 

بعد دقائق من الصمت، قال الرجل بصوت هادئ:

 

“هل تؤمن بالصدف؟”

 

 

تفاجأ أحمد بالسؤال ورد بتردد:

 

“ربما، أحيانًا تحدث أشياء غير متوقعة.”

 

 

ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة وقال:

 

“أحيانًا تكون الصدف رسائل من القدر. هذه الرحلة قد تكون نقطة تحول في حياتك.”

 

 

تجمد أحمد في مكانه، وشعر أن الرجل يعرف عنه أكثر مما ينبغي. حاول أن يبدو هادئًا وسأله:

 

“ماذا تعني؟ هل تعرفني؟”

 

 

هز الرجل رأسه وقال:

 

“لا أعرفك، لكنني أعرف أنك في مفترق طرق. قراراتك اليوم ستحدد مستقبلك.”

 

 

القصة تتعقد

 

بدأ قلب أحمد ينبض بسرعة. كان يشعر بشيء غريب، وكأن هذا الرجل يقرأ أفكاره. حاول تحويل الحديث إلى موضوع عادي وسأله عن وجهته، فقال الرجل إنه متجه إلى الإسكندرية، لكنه لم يوضح السبب.

 

خلال الحديث، لاحظ أحمد أن الرجل يحمل ساعة جيب قديمة يخرجها بين الحين والآخر ويتفحصها بعناية. بدت الساعة كأنها تعني له شيئًا خاصًا. سأل أحمد:

 

“هذه الساعة تبدو قديمة جدًا. هل لها قيمة خاصة لديك؟”

 

 

نظر الرجل إلى الساعة بتأمل عميق وقال:

 

“أكثر مما تتخيل. إنها المفتاح لكل شيء.”

 

 

ازدادت حيرة أحمد، لكنه لم يشأ الضغط أكثر. ومع ذلك، كان هناك شعور غريب بأن هذا الرجل يحمل سرًا خطيرًا.

 

الرسالة الغامضة

 

بعد مرور ساعة، وبينما كان القطار يمر عبر إحدى المحطات الصغيرة، وقف الرجل فجأة وقال لأحمد:

 

“أحمد، لا تدع الخوف يمنعك من اتخاذ القرارات المهمة. الحياة قصيرة، وكل لحظة تمضي هي فرصة ضائعة.”

 

 

تجمد أحمد في مكانه. كيف يعرف هذا الرجل اسمه؟ وقبل أن يتمكن من السؤال، مد الرجل يده وأعطاه مظروفًا صغيرًا وقال:

 

“افتحه عندما تصل إلى الإسكندرية. ستعرف ماذا عليك أن تفعل.”

 

 

ثم نزل الرجل من القطار واختفى وسط الظلام.

 

حل اللغز

 

وصل أحمد إلى الإسكندرية في حالة من التوتر. كان يحمل المظروف كأنه كنز، لكنه خائف مما قد يحتويه. جلس في مقهى صغير وفتح المظروف ببطء.

 

وجد بداخله رسالة مكتوبة بخط يدوي تقول:

 

“عزيزي أحمد،

أعلم أنك تحمل حلمًا دفنته بسبب مخاوفك. تذكر أن الشجاعة هي المفتاح لتحقيق أي شيء في الحياة. توقف عن العمل الذي يستهلك روحك، وابدأ مشروعك الخاص. في حقيبتي التي تركتها في القطار، ستجد دفترًا يحتوي على أفكار لمشاريع متعددة. إنها هديتي لك. استخدمها بحكمة.”

 

 

شعر أحمد بالدهشة والارتباك. كيف عرف هذا الرجل عن أحلامه؟ ولماذا يثق به بهذه الطريقة؟

 

القرار المصيري

 

عاد أحمد بسرعة إلى محطة القطار وسأل عن الحقيبة التي تركها الرجل. بعد بحث طويل، وجدها في مكتب الأمتعة المفقودة. فتح الحقيبة ليجد الدفتر الذي تحدث عنه الرجل، وكان يحتوي على أفكار مميزة لمشاريع مبتكرة.

 

كانت تلك اللحظة نقطة تحول في حياة أحمد. قرر أن يترك عمله المرهق ويبدأ مشروعه الخاص باستخدام الأفكار التي وجدها في الدفتر. كانت البداية صعبة، لكنه كان يشعر بدعم غريب وكأن الرجل ما زال يراقبه.

 

النهاية

 

بعد سنوات من العمل الجاد، أصبح أحمد صاحب واحدة من أكبر الشركات الناشئة في مصر. كلما تذكر تلك الرحلة الغامضة، شعر بالامتنان للغريب الذي قابله في القطار.

 

لقد كان الرجل الغريب أكثر من مجرد مسافر عابر. كان رسالة من القدر، تذكرنا بأن الحياة مليئة بالفرص، ولكن علينا أن نمتلك الشجاعة لاغتنامها.

 

استنتاج

هذه القصة تحمل رسالة مهمة: لا تدع الخوف يمنعك من السعي

وراء أحلامك. إذا كنت تؤمن بنفسك، ستجد أن الصدف قد تكون في صالحك، تمامًا كما حدث مع أحمد.