حكايات قبل النوم

العصفور الصغير وحلم الطيران

العصفور الصغير وحلم الطيران

العصفور الصغير وحلم الطيران

عالم القصص

في أحد أركان الغابة الكثيفة، وعلى غصنٍ مرتفع في شجرة قديمة، وُلد عصفور صغير بين أربعة إخوة. كان ريشه ناعماً كقطن الغيم، وعيناه تلمعان ببراءة الحلم. أطلقت عليه والدته اسم “فرّوخ”، لأنه كان الأصغر والأضعف بين إخوته.

منذ اللحظة الأولى التي فتح فيها عينيه على هذا العالم، كان فرّوخ ينظر إلى السماء باندهاش. كان يشاهد الطيور وهي تحلّق في الأعالي، تنساب بين الغيوم بخفةٍ ورشاقة، ويملؤه إحساس غريب بالدهشة والحلم.

لكنّ الطيران لم يكن بالأمر السهل، خاصة لعصفورٍ صغير لا تزال جناحاه ضعيفين. حاول إخوته القفز والتحليق داخل العش مراتٍ عدة، وكان بعضهم ينجح في الطيران لمسافات قصيرة ثم يعود. أما فرّوخ، فكان قلبه ينبض بالخوف كلما اقترب من حافة العش.

الخوف من السقوط

عالم القصص

في أحد الأيام، تجمّعت الطيور الصغيرة حول والدتهم، التي بدأت تعلّمهم أول دروس الطيران. وقفت الأم على الحافة، وقالت بصوتٍ حنون:
“السماء تنتظركم، فلا تخافوا من السقوط. فكل طائر وُلِد ليطير، وأنتم أيضاً.”

قفز أحد الإخوة وبدأ يرفرف بجناحيه بقوة، ثم طار لدقائق قبل أن يعود فرحاً. أما فرّوخ، فظل واقفاً في مكانه، لا يتحرك. نظر إليه الجميع بدهشة، وسألته والدته:
“ما بك يا صغيري؟”

خفض عينيه وقال بصوت خافت: “أنا خائف… ماذا لو سقطت؟”

ابتسمت الأم وربتت على رأسه بمنقارها، وقالت: “الخوف هو أول خطوة في طريق الشجاعة. لا أحد يولد شجاعاً، بل نتعلم ذلك مع كل محاولة.”

الحلم لا يموت

عالم القصص

مرت أيام، وكل يوم كان فرّوخ يرى إخوته يطيرون أبعد ويعودون. أصبح العش أهدأ، ولم يتبقَّ فيه غيره وأمه. وفي كل صباح، كان ينظر من بعيد إلى الطيور وهي تحلّق وتغني، ويتمنى لو أن الخوف يختفي من قلبه.

في أحد الليالي، رأى فرّوخ حلماً غريباً. كان يحلّق في السماء، يسبح فوق البحيرات والجبال، يمر بين الغيوم ويلعب مع الريح. استيقظ من الحلم وقلبه يخفق، وشعر بشيء مختلف… وكأن الحلم أيقظ شيئاً نائماً بداخله.

نهض من مكانه، مشى إلى حافة العش، نظر إلى السماء وقال: “سأطير… حتى إن سقطت.”

أول محاولة

عالم القصص

في صباح اليوم التالي، كانت والدته تراقبه بصمت من بعيد. رأته يقترب بخطواتٍ مترددة من حافة العش. رفرف بجناحيه بقوة، ثم قفز.

لم يكن تحليقه مثالياً، بل تمايل في الهواء وكاد يسقط، لكنه واصل الرفرفة. استمرت أمه تراقبه بفخر، بينما كان يحلق لبضع ثوانٍ قبل أن يهبط على أحد الأغصان القريبة.

رغم التعب واللهاث، نظر حوله بدهشة وفرح. لقد فعلها! لقد طار!

الرحلة الأولى

عالم القصص

منذ ذلك اليوم، تغيّر كل شيء. بدأ فرّوخ يطير كل صباح، يكتشف الغابة، يزور الأماكن التي كان يراها فقط من بعيد.

زار النهر اللامع حيث الأسماك تقفز كأنها ترقص، وحلق فوق المرج الأخضر حيث تتفتح الزهور بألوان لا تُعد.

وتعرف على طيورٍ جديدة، بعضها من أماكن بعيدة، وتعلم منهم الكثير.

لكنّ قلبه لم ينسَ العش الأول، ولا أمه التي آمنت به حين خاف من الطيران.

العودة إلى الجذور

عالم القصص

بعد عدة أسابيع، عاد فرّوخ إلى العش القديم. لم يكن ذلك العصفور الضعيف الخائف، بل أصبح عصفوراً قوياً، شجاعاً، وقادراً على أن يُلهم غيره.

جلس بجانب أمه، وقال: “السماء أوسع مما كنت أتخيل يا أمي… وكل يوم أكتشف فيها شيئاً جديداً.”

ابتسمت والدته وربتت عليه، وقالت: “كنت أعلم أنك ستطير، فقط كنت بحاجة لأن تؤمن بنفسك.”

دروس من الطيران

عالم القصص

قصة فرّوخ لم تكن مجرد قصة طائر صغير تعلم الطيران، بل كانت درساً عميقاً عن الشجاعة، الإيمان بالنفس، والمثابرة.

فالخوف ليس نهاية الحلم، بل بداية الطريق إليه. والمهم ليس أن نطير من أول مرة، بل أن نجرؤ على المحاولة.

لقد أدرك فرّوخ أن السماء لا تمنح أجنحتها لمن لا يحلم، بل لمن لا يتوقف عن السعي، حتى وإن سقط مرات عديدة.

وفي يوم من الأيام، أصبح فرّوخ أحد الطيور التي يُضرب بها المثل في الشجاعة بين طيور الغابة. وكل طائر صغير خائف، كان ينظر إليه ويقول: “إذا طار فرّوخ، فسأطير أنا أيضاً.”


ما رأيك؟

إذا كنت مكان فرّوخ، ما هو الحلم الذي كنت ستسعى لتحقيقه رغم الخوف؟ شاركنا في التعليقات، فنحن في عالم القصص نحب أن نسمع منك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى