الضباب الأحمر

الضباب الأحمر

في قرية صغيرة نائية تحيط بها الجبال المكسوة بالأشجار الكثيفة، كانت الأساطير تُروى كجزء من الحياة اليومية. أشهر تلك الأساطير هي أسطورة “الضباب الأحمر”، الذي كان يظهر كل عشر سنوات ويغطي القرية بالكامل في ليلة لا قمر فيها. يقول كبار السن إن من يتجرأ على الخروج وقتها يختفي إلى الأبد.

بداية القصة

في ليلة باردة من ليالي الخريف، جلس الأهالي حول المدافئ يحكون القصص. كان الصغير “سامر”، ابن الخامسة عشرة، يستمع باهتمام. كان من نوع الأولاد الذين لا يصدقون الخرافات بسهولة، وكان لديه فضول غير عادي. بينما كان الجميع يتحدث عن اقتراب موعد ظهور الضباب الأحمر، قرر سامر أن يكسر قاعدة القرية وأن يكتشف الحقيقة بنفسه.

الليلة المشؤومة

حين حل اليوم الموعود، اجتمع أهالي القرية في منازلهم، يغلقون الأبواب والنوافذ بإحكام. كان الخوف يملأ الأجواء. لكن سامر كان مستعدًا. حمل معه مصباحًا صغيرًا وحقيبة مليئة بالماء وبعض الطعام، وخرج من منزله متسللاً تحت جنح الظلام.

بدأ الضباب يتشكل تدريجيًا. كان كثيفًا جدًا وله لون أحمر قانٍ، أشبه بالدم. أحاط بكل شيء وجعل الرؤية شبه مستحيلة. سار سامر بحذر، مستندًا إلى الأشجار ليحفظ توازنه، لكن شيئًا غريبًا بدأ يحدث. كان يسمع همسات قادمة من عمق الضباب، وكأن هناك أشخاصًا يتحدثون لغة غير مفهومة.

لقاء مع المجهول

بينما كان سامر يتقدم، لمح ظلًا يتحرك بين الأشجار. توقف عن السير، وحبس أنفاسه. فجأة، ظهر أمامه كائن طويل، وجهه مغطى بقناع أبيض، وعيناه تشعان باللون الأحمر. تجمد سامر في مكانه، لكنه سرعان ما استجمع شجاعته وسأل:

من أنت؟ وما هذا الضباب؟

رد الكائن بصوت عميق وهادئ:

أنا حارس الضباب، وأنت اخترت دخول عالمي.

أخبره الكائن أن الضباب الأحمر ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل هو بوابة تربط عالم البشر بعالم آخر مظلم. كل من يدخل الضباب يُعتبر دخيلًا ويجب أن يثبت جدارته للبقاء.

التحديات

وجد سامر نفسه فجأة في ساحة غريبة تحيط بها الجدران الحمراء. ظهر أمامه ثلاثة أبواب، وكل باب يحمل رمزًا مختلفًا: أفعى، شعلة، وقطرة دم. قال له الحارس:

عليك اختيار أحد الأبواب، وفي كل منها اختبار سيحدد مصيرك.

اختار سامر باب الشعلة، ودخل إلى غرفة مظلمة تمامًا. في وسطها، كان هناك شعلة صغيرة تكاد تنطفئ. سمع صوتًا يقول:

لتحافظ على الشعلة مشتعلة، عليك تقديم شيء من روحك.

بدأت الشعلة تخبو، وبدأ سامر يشعر بالتعب، وكأن طاقته تُسحب منه. لكنه تذكر قصص والده عن الشجاعة والإيمان بالنفس، وقرر ألا يستسلم. أغمض عينيه، وتخيل أن الشعلة جزء من قلبه، وبالفعل اشتعلت الشعلة من جديد وخرج من الغرفة منتصرًا.

الحقيقة المروعة

عاد الحارس وقال له:

لقد أثبت شجاعتك، لكن ما زال عليك معرفة الحقيقة.

أخذه الحارس إلى قمة جبل يطل على القرية، وهناك رأى سامر مشهدًا غريبًا. كان الضباب الأحمر يغمر القرية بالكامل، لكن بداخله كانت هناك أشكال بشرية تتحرك. أدرك سامر أن الضباب يحمل أرواحًا لأشخاص اختفوا في السنوات الماضية.

قال الحارس:

الضباب هو وسيلة للتوازن بين العالمين. كل عشر سنوات، يحتاج عالمنا إلى أرواح جديدة ليبقى مستقرًا.

العودة

توسل سامر إلى الحارس ليعيده إلى قريته، فوعده بذلك بشرط أن ينقل رسالة مهمة: يجب ألا يخرج أحد إلى الضباب مرة أخرى، وإلا فإن القرية بأكملها ستدفع الثمن.

عاد سامر إلى منزله منهكًا، ونام لأيام طويلة. عندما استيقظ، حكى قصته للجميع، لكن لم يصدقه أحد سوى العجائز الذين كانوا يعلمون أن الأساطير تحمل دائمًا شيئًا من الحقيقة.

النهاية

مرت السنوات، وأصبح سامر رجلًا حكيمًا يحذر الجميع من الاقتراب من الضباب الأحمر. ومع ذلك، لم ينسَ أبدًا ذلك العالم الغريب وما رآه هناك. كان يعلم أن الضباب سيعود يومًا ما، لكن هذه المرة سيكون مستعدًا لحمايته وحماية قريته مهما كلف الأمر.