الصورة التي تتحرك

الصورة التي تتحرك

في بلدة صغيرة تُحيط بها الجبال والأنهار، عاش شاب يُدعى سامر، وكان شغوفًا بالتصوير. أمضى سامر معظم وقته في التنقل بين التلال والوديان، يبحث عن اللحظات المثالية ليلتقط صورًا تنبض بالحياة. كان حلمه أن يملك معرضًا خاصًا به يُظهر فيه أعماله التي طالما أذهلت الناس.

ذات يوم، أثناء تجوله في أحد الأسواق القديمة في البلدة، لمح سامر متجرًا صغيرًا يُعرض فيه أشياء قديمة ونادرة. دخل المتجر بدافع الفضول، ووجد على أحد الرفوف إطارًا خشبيًا قديمًا بدا وكأنه صُنع قبل قرن من الزمن. كان بداخله صورة لرجل يقف بجوار بحيرة تحت ضوء القمر. ما أثار دهشة سامر هو أن الصورة بدت وكأنها تتحرك عندما ينظر إليها من زاوية معينة.

اقترب سامر من الصورة ليتفحصها، فسأله صاحب المتجر، وهو رجل مسن:

“هل أعجبتك الصورة؟”

“نعم، إنها تبدو… مختلفة. وكأنها تنبض بالحياة!”

ابتسم الرجل وقال: “هذه الصورة ليست عادية. يُقال إنها تحمل سرًا قديمًا. إذا ركزت النظر فيها، قد تجد نفسك في عالم آخر.”

شعر سامر بالدهشة، ولكنه اعتقد أن الرجل يحاول فقط إضافة عنصر الغموض لجعل الصورة تبدو أكثر قيمة. ورغم ذلك، قرر شراءها بسبب غرابتها.

أول تجربة

عاد سامر إلى منزله وعلّق الصورة في غرفته. جلس أمامها ليتمعن في تفاصيلها، وفجأة، شعر بنسيم بارد يمر بجواره، رغم أن النوافذ كانت مغلقة. بدأ سطح الصورة يلمع بضوء غريب، وشعر وكأن البحيرة داخل الصورة تبتلعه. حاول الوقوف، لكنه وجد نفسه فجأة في مكان مختلف تمامًا.

كان سامر الآن واقفًا بجوار البحيرة نفسها التي كانت في الصورة، والسماء مضاءة بضوء القمر. استدار حوله ليتأكد مما يراه، وبدأ يسمع أصواتًا خافتة تناديه. كان الصوت قادمًا من داخل البحيرة. اقترب بحذر، وفجأة خرج من الماء رجل يشبه تمامًا الرجل الذي كان في الصورة.

قال الرجل بصوت عميق: “مرحبًا بك في العالم الآخر. أنت الآن في بُعد مختلف، حيث تتحقق الأحلام، ولكن بثمن.”

لغز العالم الآخر

تعرف سامر على الرجل، الذي عرّف نفسه بأنه “مالك”، وقال إنه كان هو الآخر مصورًا شغوفًا قبل أن يُسجن داخل الصورة بسبب خطأ ارتكبه. وأوضح مالك أن الصورة تتحرك فقط أمام أولئك الذين يملكون رغبة حقيقية في اكتشاف عوالم جديدة، لكنها تختبر شجاعتهم وقراراتهم.

عرض مالك على سامر فرصة للبقاء في هذا العالم حيث يمكنه التقاط الصور التي لا مثيل لها، ولكن بشرط: عليه أن يترك حياته العادية خلفه إلى الأبد.

تردد سامر في قبول العرض. فهو يحب المغامرة، لكن فكرة ترك عائلته وأصدقائه كانت مرعبة. سأل مالك إن كان هناك طريق للعودة إلى حياته الطبيعية. ابتسم مالك بخبث وقال: “هناك طريق، لكنه مليء بالمخاطر. عليك مواجهة مخاوفك العميقة، وفي النهاية ستقف أمام خيار نهائي سيحدد مصيرك.”

رحلة المواجهة

وافق سامر على خوض التحدي. بدأت الأرض تهتز تحت قدميه، ووجد نفسه في غابة مظلمة مليئة بالأشجار العالية والأصوات الغريبة. شعر بالخوف، لكنه تذكر كلمات مالك عن مواجهة مخاوفه.

كان أول اختبار أمامه هو عبور جسر خشبي متهالك يمر فوق وادٍ عميق. كان سامر يعاني من خوف قديم من المرتفعات، لكنه قرر أن يتغلب عليه. عبر الجسر بصعوبة، وكان قلبه ينبض بسرعة، لكنه شعر بالفخر بنفسه بعد أن اجتازه.

توالت الاختبارات، وكل منها كان يضع سامر أمام أحد مخاوفه: الوحدة، الفشل، وحتى فقدان أحبائه. كان عليه أن يعتمد على شجاعته وذكائه لتجاوز كل عقبة.

الاختيار النهائي

بعد أن اجتاز جميع التحديات، وجد سامر نفسه أمام باب خشبي قديم. فتح الباب ليجد نفسه مجددًا أمام مالك، الذي كان ينتظره بجانب البحيرة.

قال مالك: “أثبتّ شجاعتك، والآن عليك الاختيار: إما أن تبقى هنا للأبد وتصبح سيد هذا العالم، أو تعود إلى حياتك الطبيعية، لكنك ستفقد القدرة على رؤية هذا المكان مجددًا.”

فكر سامر مليًا. كان هذا العالم مليئًا بالفرص والتجارب التي لا يمكن أن يجدها في حياته العادية، لكنه أدرك أن السعادة الحقيقية ليست في المكان، بل مع الأشخاص الذين يحبهم.

قال سامر: “أريد العودة إلى حياتي.”

ابتسم مالك وأشار إلى البحيرة. دخل سامر الماء، ووجد نفسه يستيقظ في غرفته. كانت الصورة لا تزال على الحائط، لكنها الآن تبدو عادية تمامًا.

نهاية الرحلة

قرر سامر أن يحتفظ بالصورة كتذكار لتلك المغامرة. لم يخبر أحدًا بما حدث، لكنه شعر بتغير عميق في داخله. أصبح أكثر شجاعة وثقة، وبدأ يقدر اللحظات البسيطة في حياته بشكل أكبر.

ماذا كنت ستختار لو كنت مكان سامر؟

هل كنت ستبقى في العالم الآخر أم تعود إلى حياتك الطبيعية؟