الزائر الليلي

الزائر الليلي

في إحدى القرى الصغيرة المحاطة بالجبال المظلمة، عاش أهاليها حياة هادئة وبسيطة. كانوا يزرعون الأرض ويعيشون على ثمارها، ويقضون أمسياتهم حول النيران، يتبادلون القصص والأساطير التي تناقلوها عن أجدادهم. كانت إحدى هذه الأساطير تدور حول “الزائر الليلي”، شخصية غامضة تزور المنازل عندما يسود الظلام الدامس.

لم يكن أحد يعرف أصل هذه الحكاية، لكنها كانت تُروى لتحذير الأطفال من التجول ليلاً. وفقًا للأسطورة، فإن “الزائر الليلي” ليس شبحًا أو وحشًا، بل هو كائن بشري، يكتنفه الغموض. قيل إنه يظهر عند حلول منتصف الليل، يسير بخطى ثابتة وصامتة، يطرق أبواب المنازل برفق، ويختفي دون أن يترك أثرًا. إذا فتحت له الباب، سيأخذ منك شيئًا ثمينًا؛ ليس بالضرورة مالًا أو مجوهرات، بل ربما ذكرى عزيزة أو حتى جزءًا من أحلامك.

بداية الأحداث الغريبة

مرت سنوات طويلة دون أن يسمع أحد عن “الزائر الليلي”، إلى أن جاءت ليلة شتوية باردة تغير فيها كل شيء. كان يوسف، شابًا في منتصف العشرينيات، يعيش وحيدًا بعد وفاة والديه. في تلك الليلة، جلس يوسف بجانب الموقد يقرأ كتابًا قديمًا عن الأساطير المحلية. حينما دقت الساعة منتصف الليل، سمع طرقًا خفيفًا على بابه.

تجمد يوسف في مكانه، قلبه ينبض بقوة. لم يكن يتوقع زوارًا في هذا الوقت، خاصة في جو كهذا. تردد للحظة، لكنه قرر أن يفتح الباب. عندما فعل ذلك، لم يجد أحدًا. كانت القرية ساكنة، والثلوج تغطي الأرض. أغلق الباب معتقدًا أن الرياح ربما لعبت لعبتها، لكن الطرق تكرر بعد دقائق قليلة، هذه المرة أقوى.

المواجهة الأولى

بجرأة غريبة، فتح يوسف الباب مجددًا، لكنه وجد أمامه شخصية مغطاة بالكامل بعباءة سوداء، لا يظهر منها سوى عينين مشعتين. شعر يوسف بقشعريرة تسري في جسده، لكنه قرر أن يبقي هدوءه.

قال يوسف بصوت مهتز: “من أنت؟ ولماذا تطرق بابي في هذا الوقت؟”

رد الزائر بصوت عميق وهادئ: “أنا الزائر الليلي. لا أخذك، لكني آخذ شيئًا منك.”

ارتبك يوسف ولم يفهم معنى الكلمات. حاول أن يسأله عما يريد تحديدًا، لكن الزائر أدار ظهره واختفى في الظلام. حاول يوسف تتبع أثره، لكنه لم يجد أي علامة تدل على مروره.

البحث عن الإجابة

في الأيام التالية، بدأ يوسف يشعر بتغيرات غريبة في حياته. كان ينسى أمورًا بسيطة، كأماكن الأشياء أو مواعيد المهام. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل بدأ يفقد ذكريات عزيزة عن والديه. كانت تلك الذكريات هي كل ما تبقى له منهما، وكانت تختفي واحدة تلو الأخرى.

قرر يوسف أن يتحدث مع كبار السن في القرية لمعرفة المزيد عن الزائر الليلي. أخبره أحدهم أن الزائر لا يظهر إلا للأشخاص الذين يحملون عبئًا نفسيًا كبيرًا أو ذكريات مؤلمة يحاولون التمسك بها.

بدأ يوسف يدرك أن حزنه العميق على فقدان والديه جعله هدفًا للزائر. لكنه لم يكن مستعدًا للتخلي عن ذكرياته الثمينة بهذه السهولة. قرر أن يواجه الزائر مرة أخرى لاستعادة ما فقده.

المواجهة الثانية

انتظر يوسف الليل التالي، وعندما دقت الساعة منتصف الليل، طرق الزائر باب منزله كما كان يتوقع. فتح يوسف الباب على الفور، هذه المرة أكثر ثباتًا.

قال يوسف بحزم: “لقد أخذت مني ما لا يحق لك. أريد ذكرياتي.”

ابتسم الزائر بسخرية وقال: “الذكريات ليست ملكًا أبديًا. أحيانًا، تحتاج إلى فقدانها لتتحرر.”

رد يوسف بغضب: “لكنها كل ما لدي. لا أستطيع العيش بدونها.”

تردد الزائر للحظة، ثم قال: “إذا كنت مستعدًا لتحمل الألم، فسأعيدها لك. لكن كن حذرًا؛ الذكريات قد تكون عبئًا إذا تمسكت بها دون أن تتعلم منها.”

وافق يوسف على الفور، وشعر بدفء غريب يجتاح جسده. عندما اختفى الزائر، استعاد يوسف ذكرياته، لكنه أدرك حقيقة مرة: أن التمسك بالماضي يمنعه من المضي قدمًا.

الدرس المستفاد

بدأ يوسف يعيش حياته بشكل مختلف. قرر أن يحول ذكرياته إلى قوة تدفعه نحو الأفضل، بدلًا من أن تكون عبئًا يثقل كاهله. أصبح أكثر تواصلًا مع أهل القرية، وأكثر انخراطًا في الأنشطة اليومية. روى قصته للآخرين ليحذرهم من التعلق المفرط بالماضي.

السؤال للقارئ:

إذا جاءك “الزائر الليلي” وطلب أن يأخذ منك ذكرى أو شيئًا عزيزًا، فماذا ستكون إجابتك؟

وهل ستتمسك بما لديك أم سترى في الأمر فرصة للتحرر؟