الريح التي تعرف السر

الريح التي تعرف السر

 

في قديم الزمان، في قرية نائية محاطة بالجبال والغابات الكثيفة، عاش رجل يدعى “جمال”. كان جمال معروفًا بحكمته وصبره، لكنه كان يخفي سرًا لم يخبر به أحدًا. في كل ليلة، كان يخرج إلى الجبل الأعلى في القرية، يقف هناك لساعات طويلة وهو يحدّق في الأفق، كأنه ينتظر شيئًا أو شخصًا.

 

الناس في القرية كانوا يلاحظون تصرفاته الغريبة، وبدأت الإشاعات تنتشر بين أهل القرية. بعضهم قال إنه يملك كنزًا مخفيًا في الجبل، وآخرون زعموا أنه يتواصل مع الأرواح أو يبحث عن سحر قديم. لكن الحقيقة كانت أكثر غموضًا مما تخيلوا.

 

اللقاء الأول مع الريح

 

ذات ليلة، عندما كان القمر مكتملًا، والريح تهب بقوة غير معتادة، كان جمال يقف في مكانه المعتاد على قمة الجبل. فجأة، شعر برياح باردة تلتف حوله، لكن هذه الرياح لم تكن عادية. كانت تحمل صوتًا غريبًا، صوت همس خافت يتردد في أذنيه.

 

“جمال…”، قال الصوت.

 

تفاجأ جمال وسأل بخوف: “من هناك؟ من يتحدث؟”

 

“أنا الريح… الريح التي تعرف السر”، جاء الرد.

 

شعر جمال بالرهبة، لكنه حاول أن يتمالك نفسه. “ما السر الذي تعرفينه؟”

 

“السر الذي تبحث عنه منذ سنوات. سر والدك المفقود.”

 

جمال صُدم. والد جمال كان قد اختفى عندما كان طفلًا صغيرًا، ولم يتم العثور عليه قط. لطالما كان هذا الجرح العميق في حياته، وكان السبب وراء زياراته الليلية للجبل، حيث كان يعتقد أن الجواب يكمن هناك.

 

البحث عن الحقيقة

 

أخبرت الريح جمال أن والده لم يمت كما ظن الجميع، بل كان يعيش في مكان بعيد خلف الجبال، في أرض لا يعرفها سوى القليل. لكن الوصول إليه لم يكن أمرًا سهلًا. قالت الريح: “هناك اختبار عليك تجاوزه. يجب أن تثبت أنك تستحق معرفة الحقيقة.”

 

سأل جمال: “ما هو الاختبار؟”

 

“الإجابة ليست في الكلمات، بل في أفعالك. غدًا، عندما تهب الرياح من الشرق، عليك أن تتبعها، ولا تنظر خلفك مهما كان. إذا نجحت، سأرشدك إلى مكان والدك.”

 

قضى جمال الليل في التفكير. كان القرار صعبًا؛ فاتباع الرياح قد يكون محفوفًا بالمخاطر، لكنه لم يكن مستعدًا للتخلي عن فرصة لقاء والده.

 

الرحلة مع الريح

 

في صباح اليوم التالي، كما وعدت الريح، هبت من الشرق بقوة، كأنها تدعو جمال للانطلاق. جهز نفسه، وودع قريته دون أن يخبر أحدًا عن وجهته. بدأ السير مع الرياح، التي كانت تقوده عبر الغابات والوديان، حتى وصل إلى منطقة لم يرَها من قبل.

 

أثناء رحلته، واجه جمال العديد من التحديات. عبر جسورًا متهالكة، وواجه حيوانات برية، وتسلق منحدرات خطرة. لكن الريح كانت دائمًا بجانبه، تهمس له بالإرشادات والتشجيعات.

 

في إحدى الليالي، عندما كان جمال مرهقًا ومستعدًا للاستسلام، همست الريح: “تذكر لماذا بدأت هذه الرحلة. هل ستتوقف الآن؟”

 

استعاد جمال قوته وأكمل طريقه. وأخيرًا، بعد أيام طويلة من السير، وصل إلى وادٍ عميق كان محاطًا بالجبال الشاهقة. في وسط الوادي، رأى كوخًا صغيرًا يخرج منه ضوء خافت.

 

اللقاء المنتظر

 

اقترب جمال من الكوخ بحذر، ودق الباب. فتح الباب رجل كبير في السن، بملامح مألوفة بشكل غريب. عندما نظر جمال في عينيه، عرف على الفور. “أبي!”، صرخ جمال.

 

الرجل دمعت عيناه واحتضن جمال بشدة. بدأ يروي له القصة. تبين أن والد جمال كان قد نُفي قسرًا من قريته بسبب مؤامرة، وظل يعيش في هذا الوادي المنعزل منذ ذلك الحين، منتظرًا اليوم الذي يعود فيه أحد أفراد عائلته إليه.

 

أمضى جمال أيامًا في الوادي مع والده، يتعرف على تفاصيل حياته وحقيقته. أخيرًا، عرف أن الريح لم تكن مجرد قوة طبيعية، بل كانت شيئًا أكثر غموضًا وعمقًا، وكأنها أداة للقدر.

 

العودة بالسلام

 

بعد أسابيع، قرر جمال العودة إلى قريته ليخبر الناس الحقيقة. وعد والده بأنه سيعود مع الوقت لإحضاره إلى القرية ليعيش معهم مجددًا. أثناء عودته، شعر الريح تهمس له للمرة الأخيرة: “لقد أثبت أنك تستحق الحقيقة. الآن، قد وجدت السلام.”

 

عندما عاد جمال إلى قريته، تغيرت حياته بالكامل. لم يعد الرجل الذي كان يحدق في الأفق منتظرًا، بل أصبح رجلاً مليئًا بالأمل والقوة.

 

السؤال للقارئ

 

إذا كنت مكان جمال، هل كن

ت ستخاطر باتباع الريح أم ستظل في مكانك خائفًا من المجهول؟