قصص رومانسيه

الحياة التي لم تعشها

الحياة التي لم تعشها

الحياة التي لم تعشها

جلس “عادل” في شرفة منزله المطل على شارع هادئ في أحد الأحياء القديمة، يتأمل الغروب وهو يشعر بثقل الأيام التي مرت. كان قد بلغ من العمر خمسين عامًا، لكنه شعر وكأنه عاش أكثر من ذلك بكثير، أو ربما لم يعش حياته أبدًا بالطريقة التي أرادها.

منذ صغره، كان يحلم بأن يصبح كاتبًا، لكنه استسلم لضغوط الحياة، ودرس الهندسة بناءً على رغبة والديه. عمل لسنوات طويلة في شركة مقاولات، يحقق النجاحات المهنية، لكن قلبه كان دائمًا متعطشًا للقصص التي لم يكتبها. كان يشتري دفاتر جميلة، يكتب في صفحاتها الأولى أفكارًا لقصة أو رواية، ثم يهملها مع مرور الوقت.

في ذلك المساء، وبينما كان يحتسي كوبًا من الشاي، رنَّ هاتفه. كان صديقه القديم “ماهر”، الذي لم يتحدث معه منذ سنوات. دار بينهما حديث طويل عن الماضي والحاضر، وقبل أن ينهي “ماهر” المكالمة، قال له ضاحكًا:

  • “عادل، هل تذكر أيامنا في الجامعة عندما كنت تقول إنك ستصبح كاتبًا مشهورًا؟ ماذا فعلت بذلك الحلم؟”

شعر عادل بوخزة في قلبه، لم يعرف بماذا يجيب. أنهى المكالمة وجلس صامتًا، ينظر إلى الأفق الذي بدأ يخفت لونه. بعد دقائق، نهض ودخل إلى مكتبه، وفتح درجًا قديمًا مليئًا بالأوراق المتناثرة. التقط أحد الدفاتر وقرأ بعض الكلمات التي كتبها منذ سنوات، فأحس كأنها تنتمي إلى شخص آخر.

في تلك الليلة، لم يستطع النوم. بدأ يفكر في كل القرارات التي اتخذها، في كل الفرص التي أهدرها، في كل اللحظات التي كان يمكنه أن يكون فيها شجاعًا لكنه لم يكن. كيف كانت حياته ستكون لو أنه اختار طريقه بنفسه؟

مرَّت الأيام، ولم تفارقه تلك الأفكار. شعر بحاجة ملحة لفعل شيء يعيد إليه ذاته الضائعة. ذات صباح، جلس أمام حاسوبه، وبدأ يكتب. لم يكن يعلم ماذا سيكتب بالتحديد، لكنه ترك أصابعه تنساب على لوحة المفاتيح، تحكي قصته، قصة الرجل الذي عاش نصف حياة فقط.

مرت الأسابيع، وعادل يكتب يوميًا، يفرغ كل المشاعر التي تراكمت داخله لسنوات. بدأ بنشر مقالاته عبر الإنترنت، ثم أرسل قصصه إلى دور النشر. لم يكن يتوقع أن يحصل على رد، لكنه فوجئ بعد أشهر برسالة من دار نشر تهتم بنشر كتابه الأول.

وقف أمام المرآة، ينظر إلى نفسه للمرة الأولى بشعور مختلف. لم يعد يرى المهندس الذي عمل لسنوات في مجال لم يكن شغوفًا به، بل رأى الكاتب الذي كان يحلم به منذ الطفولة. ابتسم لأول مرة منذ سنوات، وعلم أنه رغم كل شيء، لا يزال لديه وقت ليعيش الحياة التي يريدها.

والآن، عزيزي القارئ، هل تعيش الحياة التي تريدها حقًا، أم أنك تسير في طريق لم تختره بنفسك؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى