الحب بين الشموع والظلال

الحب بين الشموع والظلال

في زاوية صغيرة من غرفة قديمة يغمرها السكون، كانت هناك شمعة وحيدة تقف بشموخ على طاولة خشبية. حولها، كانت الظلال تتحرك برفق على الجدران، ترسم لوحات خيالية بلا بداية أو نهاية. بدا أن الغرفة نفسها تراقب هذه الرقصات الصامتة وكأنها تحمل حكاية لم تُروَ بعد.

كانت الشمعة تشع بنورها الهادئ، لكنها كانت تشعر بوحدة عميقة. كانت تقول في داخلها: “ما فائدة النور إن لم يجد من يشاركه؟ ما فائدة الدفء إن لم يُحتَضن؟”. أما الظلال، فكانت تتحرك برشاقة، ولكنها تشعر بأنها غير مرئية. كانت تهمس: “أرقص على الجدران، لكن لا أحد يلاحظني حقًا. أنا مجرد انعكاس، لا حياة لي دون مصدر للنور”.

ذات ليلة، وبينما كان الصمت يغمر الغرفة، بدأت الظلال تتحدث إلى الشمعة لأول مرة. قالت:

“يا شمعة، كيف يمكنك أن تقفي بهذه القوة؟ أنتِ تعطين النور بلا مقابل، لكنكِ تذوبين مع كل لحظة”.

ردت الشمعة بابتسامة دافئة:

“أنا أعطي النور لأن هذا هو قدري. ولكن، لماذا ترقصين حولي دائمًا؟ ماذا تبحثين عنه؟”.

ترددت الظلال قليلاً قبل أن تجيب:

“أبحث عن نفسي. أريد أن أكون أكثر من مجرد انعكاس. أريد أن أكون مرئية في النور وليس فقط في الظلام”.

شعرت الشمعة بألم الظلال، لكنها لم تعرف كيف تساعدها. بدأت تفكر: “هل يمكن أن نكون معًا؟ هل يمكن أن نجعل من نورنا وظلها لوحة واحدة؟”.

مرّت الأيام، واستمر الحوار بينهما. شيئًا فشيئًا، بدأت الظلال تدرك أن وجودها لا يمكن أن يكون بلا الشمعة، كما أن الشمعة أدركت أن جمالها لا يظهر إلا عندما تعكس الظلال رقصتها على الجدران. كانت علاقتهما معقدة، مليئة بالتحديات، لكنها كانت حقيقية.

في إحدى الليالي، هبت ريح خفيفة وكادت تطفئ الشمعة. ارتعشت ألسنة النار، وخافت الشمعة أن ينتهي نورها للأبد. عندها، اقتربت الظلال من الشمعة وقالت:

“لا تخافي، يا شمعة. سأحميك بطريقتي”.

وقفت الظلال حول الشمعة، مستخدمة الجدران كدرع يحميها من الريح. وفي تلك اللحظة، أدركت الشمعة أن الظلال ليست انعكاسًا فقط، بل هي جزء من حياتها.

استمرت الريح لبعض الوقت، ولكن الشمعة بقيت مضيئة بفضل حماية الظلال. عندما هدأت العاصفة، قالت الشمعة:

“شكرًا لكِ، أيتها الظلال. لقد ظننت أنكِ تحتاجينني فقط، لكنني أدركت أنني أحتاجكِ أيضًا”.

ابتسمت الظلال، وقالت:

“الحب ليس عطاءً من طرف واحد. إنه شراكة، حيث يحمي كل منا الآخر بطريقته”.

منذ تلك الليلة، أصبحت الشمعة والظلال لا تنفصلان. كان النور والظل يرسمان أجمل اللوحات معًا، ويكتبان حكاية حب لا يراها إلا من يتأمل بعمق.

والآن، أيها القارئ العزيز، هل فكرت يومًا في دور الظلال في حياتك؟ هل ترى النور

والظلام كشريكين يكملان بعضهما البعض؟