الجسر إلى العدم

في إحدى القرى النائية، حيث تجتمع الجبال الشاهقة والوديان العميقة، كان هناك جسر غريب يُطلق عليه “الجسر إلى العدم”. لم يكن أحد يعلم على وجه الدقة من قام ببنائه أو لماذا. كان الجسر متهالكًا، مصنوعًا من خشب قديم وحبال مهترئة، يتدلى فوق وادٍ سحيق لا يظهر له قاع. بدا وكأنه يمتد إلى الفراغ، حيث ينتهي في ضباب كثيف يغلفه الغموض.

كان أهل القرية يتجنبون الحديث عن الجسر، وكأن ذكره يجلب الشؤم. ورغم ذلك، كانت هناك أسطورة قديمة تتناقلها الأجيال: “من يعبر الجسر يصل إلى مصيره الحقيقي”. البعض اعتقد أن ذلك يعني تحقيق الأحلام، والبعض الآخر خاف من أن الجسر يقود إلى الهلاك.

بداية المغامرة

في يوم من الأيام، قرر شاب يُدعى سامر أن يكسر حاجز الخوف ويكتشف حقيقة الجسر. كان سامر معروفًا بشجاعته وروحه المغامرة، لكنه أيضًا كان يعاني من شعور دائم بالضياع. كان يبحث عن معنى لحياته، عن شيء يمنحه السلام الداخلي.

“لا يمكن أن أعيش حياتي كلها وأنا أتساءل عمّا يوجد في نهاية الجسر،” قال سامر لنفسه. وهكذا، بدأ رحلته.

عندما اقترب من الجسر، شعر بقشعريرة تسري في جسده. الرياح كانت تعوي بين الحبال الخشبية، وصوت الخشب المتأرجح بدا كأنه يناديه. لكنه لم يتراجع. وضع قدمه الأولى على الجسر وبدأ بالسير بحذر.

العبور إلى المجهول

كلما تقدم سامر خطوة، تغيرت الأجواء من حوله. أصبح الضباب أكثر كثافة، والهواء أكثر برودة. فجأة، سمع صوتًا خافتًا قادمًا من العدم. كان الصوت أشبه بهمسات غير مفهومة، لكنه شعر وكأنها تدعوه للاستمرار.

في منتصف الطريق، لاحظ أن الجسر بدأ يتغير. الخشب القديم تحوّل إلى ألواح ذهبية، والحبال المهترئة أصبحت سلاسل فضية متينة. شعر بطاقة غريبة تسري في جسده، وكأن شيئًا ما يحاول التواصل معه.

“من أنت؟” سأل سامر بصوت مرتعش.

“أنا صدى أحلامك،” جاء الرد من العدم. “أنت تسير نحو حقيقتك.”

المواجهة مع الذات

عندما وصل سامر إلى نهاية الجسر، وجد نفسه في مكان غريب. لم يكن هناك شيء سوى مرآة ضخمة تقف وحيدة وسط فراغ لا نهائي. اقترب سامر من المرآة، ورأى انعكاسًا مختلفًا عن صورته المعتادة. لم يرَ نفسه كشاب ضائع، بل كشخص مليء بالقوة والحكمة.

“ما هذا؟” تساءل سامر.

“هذه هي حقيقتك،” أجاب الصوت مرة أخرى. “الجسر لا يؤدي إلى مكان معين، بل يقودك إلى أعماق نفسك. هل لديك الشجاعة لتقبل ما تراه؟”

تردد سامر للحظة، لكنه أدرك أن رحلته لم تكن مجرد عبور فوق وادٍ، بل كانت رحلة داخلية لاكتشاف ذاته. وقف أمام المرآة وتحدث إلى انعكاسه، معترفًا بمخاوفه وأحلامه وكل ما كان يحاول إنكاره.

العودة

عندما قرر العودة، لاحظ أن الجسر بدأ يختفي خلفه. وكأن الجسر قد أتم مهمته. عاد سامر إلى القرية بشعور جديد من السلام واليقين. لم يعد يبحث عن معنى حياته في الخارج، بل أدرك أن الإجابات كلها كانت بداخله.

النهاية المفتوحة

“الجسر إلى العدم” لم يعد مجرد أسطورة بالنسبة لسامر. أصبح رمزًا للتحول والنمو. كان يعلم أن تجربته لا يمكن أن تُنقل بالكلمات، بل يجب أن تُعاش.

والآن، أيها القارئ، إذا أتيحت لك الفرصة للعبور فوق “الجسر إلى العدم”، هل ستكون لديك الشجاعة لمواجهة حقيقتك؟