أرواح تتحدث في الصمت

أرواح تتحدث في الصمت

في زاوية صغيرة من المدينة، كانت هناك مكتبة قديمة مهجورة تحمل غبار الزمن وذكريات غامضة. لم يجرؤ الكثيرون على دخولها، ولكن بالنسبة لليلى، كانت هذه المكتبة ملاذها الوحيد من صخب العالم الخارجي. لم تكن ليلى فتاة عادية، فقد كانت تشعر دائمًا بوجود شيء ما غير مرئي حولها.

عندما خطت ليلى داخل المكتبة لأول مرة، شعرت بنسيم بارد يحيط بها رغم أن النوافذ كانت مغلقة بإحكام. وبينما كانت تتجول بين الأرفف المليئة بالكتب البالية، لاحظت كتابًا صغيرًا مُلقىً على الطاولة الرئيسية. كان الكتاب بلا عنوان، ومغلفًا بجلد بني قديم. دفعتها فضولها لتفتحه، لكن عندما لامست الصفحات، شعرت بتيار خفيف يسري في جسدها.

البداية الغامضة

عندما بدأت تقرأ الكلمات الأولى من الكتاب، لم تكن الكلمات عادية. لم تكن مكتوبة بلغتها، لكنها فهمتها بوضوح كما لو أن الكتاب كان يخاطبها مباشرة. قالت الجملة الأولى: “الصمت ليس دائمًا فراغًا، بل قد يكون صوت الأرواح المفقودة.” ارتجفت ليلى للحظة، لكنها استمرت في القراءة.

كانت القصة المكتوبة تتحدث عن روح تسمى “مرام”، فتاة شابة عاشت في هذا الحي قبل أكثر من مئة عام. كانت مرام تتحدث عن معاناتها، وكيف انتهى بها الأمر إلى الموت بشكل غامض داخل المكتبة نفسها. وبينما كانت ليلى تغوص أعمق في الحكاية، بدأت تسمع أصواتًا خافتة، همسات لم تكن قادمة من الكتاب، بل من كل زاوية في الغرفة.

الأرواح تكشف نفسها

مع كل صفحة تقرأها، بدأت ليلى ترى ظلالاً تتحرك حولها. لم تكن مجرد خيالات؛ كانت واضحة، لكن لم تكن مرئية بالكامل. وقفت ليلى للحظة وقالت بصوت مرتجف: “هل يوجد أحد هنا؟” فجأة، ظهر ضوء خافت أمامها، ومن خلاله ظهرت امرأة ترتدي ثوبًا أبيض قديمًا. كانت هذه هي “مرام”.

قالت مرام بصوت هادئ: “أخيرًا، وجدني أحدهم. لقد كنت محاصرة هنا منذ زمن طويل. أحتاج إلى مساعدتك.” شعرت ليلى بمزيج من الخوف والفضول، لكنها جمعت شجاعتها وسألت: “كيف يمكنني مساعدتك؟”

أوضحت مرام أن المكتبة كانت مكانًا محرمًا، حيث كانت تُعقد اجتماعات سرية في الماضي لارتكاب أفعال مشينة. تم التضحية بمرام كجزء من طقوس غامضة، ومنذ ذلك الحين، لم تستطع روحها الراحة. لكن هناك شيء واحد يمكنه تحريرها: العثور على خاتمها القديم المدفون داخل المكتبة.

رحلة البحث عن الخاتم

بدأت ليلى تبحث في كل زاوية بالمكتبة. رفعت الكتب، فتحت الأدراج القديمة، وحتى حركت الأثاث الثقيل بمساعدة الظلال التي أصبحت تراها بوضوح. خلال رحلتها، اكتشفت قصصًا عن أرواح أخرى محبوسة في المكتبة. كانوا جميعًا ضحايا الطقوس ذاتها، وكلهم يتحدثون في الصمت الذي كان يملأ المكتبة.

بينما كانت ليلى تبحث، بدأت تشعر أن الوقت ينفد. كلما اقتربت من العثور على الخاتم، ازدادت الأصوات وضوحًا، وتحولت المكتبة إلى مكان مليء بالضوضاء الغامضة. أخيرًا، وجدت ليلى الخاتم داخل صندوق صغير مدفون تحت الأرضية المكسورة.

التحرر من الصمت

عندما أمسكت ليلى بالخاتم، شعرت بطاقة هائلة تسري في جسدها. ظهرت الأرواح من حولها بشكل واضح، وشكرت مرام ليلى على شجاعتها. قالت مرام: “لقد أنهيت معاناتنا. نحن الآن أحرار.” وفجأة، تحولت المكتبة إلى مكان هادئ مرة أخرى، واختفت جميع الأرواح.

لكن قبل أن تترك ليلى المكتبة، سمعت همسة أخيرة من مرام: “ليس كل صمت راحة. أحيانًا، يكون الصمت صرخة تطلب من يسمعها.”

خرجت ليلى من المكتبة، لكنها شعرت بأنها تغيرت. لم تعد ترى العالم بنفس الطريقة. أصبحت تؤمن أن هناك قصصًا مخفية في كل مكان، تنتظر من يكشفها.

السؤال للقارئ:

هل تعتقد أن الصمت قد يخفي قصصًا عميقة لم تُروَ بعد؟ وكيف يمكننا أن نكون أكثر وعيًا

بالأشياء غير المرئية من حولنا؟