هروب في الظلال

هروب في الظلال

في إحدى الليالي الحالكة، وفي مدينة تكتظ بالحكايات الغامضة، بدأت قصة لم يكن لها مثيل. في ضواحي المدينة، كان هناك حي صغير يدعى “الظل المفقود”، اشتهر بكونه مأوى للأسرار المظلمة. بين أزقته الضيقة، كان هناك شاب يدعى “كريم”، شاب في أواخر العشرينات، يعيش وحيدًا بعد أن فقد عائلته في حادث غامض قبل سنوات.

كان كريم يعمل كحارس ليلي في مصنع مهجور، وظيفته الوحيدة هي التأكد من أن كل شيء يبقى كما هو، ولكن في تلك الليلة، حدث ما لم يكن في الحسبان.

—

مع منتصف الليل، بينما كان كريم يتفقد المصنع، شعر بنسمة باردة تسري في المكان. كان الهواء ساكنًا قبل لحظات، ولكن فجأة بدأ يشعر وكأن هناك من يراقبه. حاول أن يتجاهل الشعور، لكنه لم يستطع. أخرج كشافه وسار بين الآلات القديمة، محاولًا البحث عن أي شيء غير طبيعي.

خلف إحدى الآلات الضخمة، لمح شيئًا يتحرك. عندما اقترب بحذر، اكتشف قطة سوداء ذات عيون متوهجة. زفر براحة وقال لنفسه: “مجرد قطة”. ولكن قبل أن يبتعد، سمع صوتًا غريبًا، أشبه بالهمسات. هذه المرة لم يكن الصوت من خلفه، بل من داخله.

—

بدأت الأصوات تتردد في ذهنه بشكل أوضح، وكانت الكلمات متقطعة: “اهرب… احذر… الظلال”. حاول كريم أن يتجاهل الصوت مرة أخرى، معتقدًا أن التعب أثر على عقله. ولكن، عندما التفت ليتحرك، وجد أن كل شيء قد تغير. المكان الذي كان فيه المصنع لم يعد كما هو؛ أصبح مغطى بظلال كثيفة، وكأن الضباب قد غطى كل شيء.

—

في وسط هذا الظلام، ظهر له رجل غريب الملامح. كان يرتدي معطفًا أسود طويلًا، ووجهه كان مغطى بقناع غريب. قال الرجل بصوت هادئ لكنه مرعب: “كريم، لقد كنت تنتظر هذه اللحظة طويلاً، أليس كذلك؟”

تسمرت قدما كريم في مكانه. “من أنت؟ وكيف تعرف اسمي؟” سأل بصوت مرتجف. لم يرد الرجل مباشرة، بل مد يده وأشار نحو باب صغير لم يكن موجودًا من قبل. قال: “الاختيار لك، يا كريم. إما أن تواجه الحقيقة، أو تبقى هنا إلى الأبد”.

—

كان أمام كريم خياران: إما أن يثق بالغريب ويدخل الباب، أو يبقى في الظلال المخيفة. بعد تردد، قرر الدخول. عندما عبر الباب، وجد نفسه في ممر طويل، وعلى جانبيه صور قديمة تمثل لحظات من حياته. رأى صورة له مع عائلته قبل الحادث، وصورة أخرى له وهو طفل صغير يلعب في الحديقة. ولكن أكثر ما أثار خوفه كان صورة حديثة له، في اللحظة التي عبر فيها الباب.

بدأ يسمع صوت خطوات خلفه، وعندما التفت، رأى نفسه. نعم، كان نسخة أخرى منه، لكنها كانت مشوهة. كان وجهها مليئًا بالندوب وعينيها تلمعان بغضب. صرخت النسخة: “لماذا هربت؟ لماذا تركتني في الظلال؟”

—

لم يفهم كريم ما يحدث. بدأ يركض في الممر، محاولًا الهرب من النسخة المشوهة. لكن كلما ركض أكثر، زادت الصور على الجدران وازدادت غرابتها. وصل في النهاية إلى غرفة صغيرة تحتوي على مرآة.

عندما نظر في المرآة، لم يرَ انعكاسه، بل رأى عائلته. كانوا ينادونه، يطلبون منه المساعدة.

قالت والدته: “كريم، حان وقت مواجهة الحقيقة”.

صرخ كريم: “أي حقيقة؟ ماذا تريدون مني؟”

—

فجأة، عاد إلى المصنع، وكأن شيئًا لم يكن. لكن هذه المرة، كان يحمل ذكرى واضحة للحادث الذي أودى بحياة عائلته. تذكر أنه كان السبب في الحادث، بسبب تهوره أثناء القيادة. كانت الظلال تمثل شعوره بالذنب، والرجل الغريب كان مجرد انعكاس لرغبته في مواجهة ماضيه.

—

منذ تلك الليلة، قرر كريم أن يغير حياته. بدأ بمساعدة الآخرين، وعمل على توعية الشباب بخطورة التهور. أصبح رمزًا للأمل في الحي الذي كان يعج بالأسرار المظلمة.

—

السؤال لك الآن:

هل سبق لك أن واجهت ظلال ماضيك، أم أنك ما زلت تهرب منها؟