ظل الشجرة العجوز

تحت ظلال شجرة عجوز، في قلب غابة كثيفة الأوراق، نشأت حكاية لا ينساها من سمعها. كانت الشجرة تُدعى “الشجرة العجوز” ليس فقط بسبب عمرها الممتد لقرون، بل لأنها كانت تُعتبر حكيمة وقادرة على الاستماع والتحدث لكل من يلجأ إليها. جذورها امتدت عميقًا في الأرض، وأغصانها تلامس السماء، فكانت ملاذًا للمخلوقات الصغيرة والباحثين عن الراحة.

في أحد الأيام، وصل إلى ظل الشجرة فتى يُدعى كريم. كان كريم شابًا نحيلًا يعيش في قرية قريبة، وكان يعاني من شعور بالوحدة بعد أن فقد والديه في حادث مفجع. كان يمضي وقته يجوب الغابة بحثًا عن معنى لحياته. في ذلك اليوم، جلس كريم تحت ظل الشجرة، وأخذ يتأمل أغصانها وهي تتمايل مع النسيم. لم يكن يعلم أن تلك اللحظة ستغير حياته.

سمع كريم صوتًا خافتًا يشبه الهمس. انتفض من مكانه، وظن أنه يتخيل. لكن الصوت عاد وقال: “لا تخف، أنا الشجرة العجوز. ما الذي يجلبك إلى هنا؟”

فوجئ كريم، لكنه شعر بالراحة في الوقت نفسه. بدأ يحكي للشجرة عن حزنه ووحدته. استمعت الشجرة بصمت، ثم قالت: “يا كريم، كل كائن في هذا العالم له دور. قد يكون دورك لم يتضح بعد، لكنك ستكتشفه قريبًا. عليك فقط أن تثق بنفسك وتبحث عن نور داخلك.”

عاد كريم إلى قريته وهو يشعر بشيء من الأمل. بدأ يلاحظ الأشياء من حوله بطرق لم يفعلها من قبل. كان يرى الجمال في أبسط الأمور، كأزهار تتفتح على جانبي الطريق أو الطيور التي تغني مع شروق الشمس. أصبح كريم أكثر اندماجًا مع أهل قريته، وبدأ يساعد في أعمال الزراعة والبناء.

لكن الشجرة العجوز لم تكن مجرد مستمعة حكيمة. كان لها سر دفين. تحت جذورها العميقة كان هناك كنز قديم، ليس من الذهب أو الجواهر، بل مجموعة من الكتب القديمة التي تحتوي على حكمة الأجداد. لم تكن الكتب مرئية لأي شخص عادي، بل فقط لأولئك الذين أثبتوا نبل قلوبهم.

ذات يوم، عادت الشجرة لتنادي كريم. قالت له: “لقد أظهرت قلبًا نقيًا وروحًا معطاءة. أريد أن أكشف لك سرًا. تحت جذوري هناك شيء قد يساعدك على إيجاد طريقك.”

بحماس وتردد، بدأ كريم يحفر عند قاعدة الشجرة كما أرشدته. وجد صندوقًا خشبيًا قديمًا مغطى بالتراب. عندما فتحه، وجد داخله كتبًا مليئة بالمعرفة عن الزراعة، الطب، والقصص القديمة. بدأ كريم يقرأ الكتب بشغف، وتعلم منها أسرارًا ساعدته على تحسين حياة أهل قريته.

بدأ كريم في تطبيق ما تعلمه. أصبح يزرع نباتات جديدة لم تكن معروفة في القرية، وبدأ يعالج المرضى باستخدام وصفات طبيعية مكتوبة في الكتب. أصبحت القرية تزدهر بفضل جهوده. ومع مرور الوقت، أصبح كريم قائدًا محبوبًا يُعتمد عليه.

لكن الحكاية لم تنتهِ هنا. في إحدى الليالي، حدثت عاصفة قوية ضربت الغابة. جذبت العاصفة انتباه كريم، فركض إلى الشجرة العجوز ليجد أنها فقدت إحدى أغصانها الكبيرة بسبب الرياح العاتية. شعر كريم بالحزن، لكنه قرر أن يرد الجميل للشجرة التي كانت سببًا في تغيير حياته.

جمع أهل القرية، وطلب منهم المساعدة في حماية الشجرة. بنوا حولها حواجز لمنع التآكل، وبدأوا يعتنون بها بشكل يومي. مع مرور الوقت، استعادت الشجرة صحتها وبدأت تنمو مجددًا. أصبحت الشجرة رمزًا للحكمة والوفاء في القرية، وبدأ الجميع يأتون للاستفادة من ظلها ومن حكمة كريم.

مرت السنوات، وكبر كريم في العمر. لكنه لم ينس أبدًا فضل الشجرة العجوز عليه. في أحد الأيام، جلس تحت ظلها وابتسم قائلاً: “لقد كنتِ دائمًا هنا من أجلي. الآن دوري أن أكون هنا من أجلك.” وفي تلك اللحظة، شعرت الشجرة بامتنان عميق تجاه كريم.

لم تكن الحكاية مجرد قصة عن فتى وشجرة، بل كانت عن العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وكيف يمكن للحكمة واللطف أن يُحدثا تغييرًا عظيمًا. ظلت الشجرة العجوز شاهدة على تلك الصداقة الأبدية، وظل كريم رمزًا للتفاني والامتنان.