ذاكرة الرجل الذي نسي ماضيه
في أحد الأحياء الهادئة بمدينة نائية، كان هناك رجل يعيش حياة هادئة، يتنقل بين الأزقة الضيقة دون أن يلفت انتباه أحد. كان يدعى سامي، وكان في منتصف الأربعينات من عمره. ولكن هناك شيء غريب كان يحيط بحياة سامي، وهو أنه لا يذكر شيئًا عن ماضيه. كان ينسى كل شيء يعود لسنوات مضت، حتى أنه لم يكن يعرف من أين جاء أو من هم أقاربه.
كلما حاول سامي أن يتذكر ماضيه، كان يشعر بشيء يشبه الضباب الكثيف الذي يلتف حول عقله، فلا يستطيع رؤية شيء واضح. أصدقاؤه وأفراد المجتمع كانوا يعتقدون أن سامي يعاني من فقدان الذاكرة، ولكنهم لم يعرفوا السبب الحقيقي وراء تلك الحالة الغامضة.
لقد كانت حياته بسيطة، يعمل في متجر صغير يبيع الأدوات المنزلية، ويقضي معظم وقته في ترتيب الرفوف وتنظيف المكان. ومع مرور الأيام، بدأ يشعر بشيء غريب في قلبه، كأن هناك شيء ناقص، لكنه لم يكن قادرًا على تحديد ما هو هذا الشيء. كان يحس أن هناك سرًا يخفيه عقله، لكنه كان عاجزًا عن اكتشافه.
في أحد الأيام، دخلت امرأة شابة إلى المتجر، وكان وجهها غريبًا عليه ولكنه شعر بشيء مألوف في نظرتها. قالت له بصوت هادئ: “مرحبًا، هل تتذكرني؟” سألها سامي بدهشة: “آسف، لا أعتقد أنني أعرفك.” ابتسمت المرأة وقالت: “أنا مريم، كنتِ جارتك منذ سنوات طويلة. هل تذكر تلك الأيام؟”
حاول سامي أن يتذكر، لكن عقله كان يغلق كل محاولة. تذكر فقط شبح الذكريات الضبابية، ولم يستطع استرجاع أي تفاصيل واضحة عن مريم أو عن الأيام التي عاشها معها. شعرت مريم بالحزن في عينيها، وقالت: “كنتَ الشخص الذي رافقني في تلك الأوقات الصعبة، لكنك نسيت كل شيء الآن.”
مرت الأيام، وبدأت مريم تكرر زياراتها له في المتجر. كانت تحاول دائمًا أن تنعش ذاكرته، تقدم له تفاصيل عن حياتهم السابقة معًا. كان سامي يستمع إليها في صمت، يحاول أن يفتح عقله لمحاولة استرجاع تلك الذكريات المفقودة، لكنه كان دائمًا يفشل. لم يكن يدري ما الذي يحدث، ولماذا لا يستطيع تذكر ماضيه.
ثم جاء اليوم الذي تغيّرت فيه حياته. بينما كان سامي يجلس في غرفته وحيدًا، جاءه حلم غريب. حلم كان فيه شخص يشبهه، لكنه أصغر سناً وأكثر حيوية. كان يركض في أحد الشوارع المزدحمة، وكان هناك صوت يصرخ في خلفية المشهد: “أنت لست مجرد شخص عادي، أنت شخص مهم!”
استفاق سامي مفزوعًا، وكان قلبه ينبض بسرعة. شعر أن هذا الحلم يحمل شيئًا مهمًا، لكنه لم يكن يعرف ماذا يعني. في تلك اللحظة، قرر أنه لن يستسلم. بدأ يحقق في كل تفاصيل حياته، يزور الأماكن التي كان يقضي فيها وقتًا، يسأل الناس حوله، عله يجد إجابة.
أثناء التحقيق، اكتشف أنه كان في الماضي رجلًا ذو طموحات كبيرة. كان قد عمل في عدة مجالات، وكان معروفًا بذكائه وقدرته على حل المشكلات المعقدة. ولكنه كان قد مر بتجربة مريرة جعلته ينسى كل شيء. تلك التجربة كانت حادثًا مروعًا في الماضي، حادث جعله يفقد جزءًا كبيرًا من ذاكرته.
مريم كانت في الواقع جزءًا من تلك الفترة، فقد كانت رفيقته في تلك الأيام الصعبة، وكانا معًا في اللحظات الحرجة. كانت هي التي حاولت دائمًا أن تكون إلى جانبه حتى في أصعب الأوقات. ولكن الحادث الذي وقع جعله يفقد كل شيء، ويبدأ حياته من جديد.
تذكر سامي شيئًا واحدًا فقط من تلك الفترة: شعوره العميق بالحب لمريم. أدرك أنه كان يحبها أكثر مما كان يظن، وأنه كان مستعدًا لفعل أي شيء من أجلها. لكنه أيضًا اكتشف أن ذاكرته لم تكن كل شيء، وأنه يمكنه بناء حياة جديدة من خلال التجارب الجديدة واللحظات التي يعيشها الآن.
في النهاية، قرر سامي أن يبدأ حياة جديدة. لم يكن بحاجة إلى ماضيه ليشعر بالسعادة أو بالإنجاز. قرر أن يفتح قلبه للمستقبل، وأن يترك خلفه ما يثقل عقله من ذكريات ضبابية.
ورغم أنه لم يسترجع كل شيء، إلا أنه شعر بشيء من السلام الداخلي. كان يعرف الآن أن ذاكرته لم تكن تحدد من هو، وأنه يمكنه أن يكون أفضل نسخة من نفسه، حتى وإن لم يتذكر كل شيء.
وفي يوم من الأيام، بينما كان يمشي في الشارع، التقى بأحد الأشخاص الذين عرفهم في الماضي. نظرا لبعضهما، وابتسم سامي، قائلاً: “لقد نسيّت الكثير، ولكنني لم أنسَ شيئًا عن ما يمكنني أن أكونه اليوم.”
هل تعتقد أن الماضي يمكن أن يحدد من هو الشخص؟ أم أن الشخص يمكنه أن يبني مستقبله بعيدًا عن ما عايشه في الماضي؟
[رابط: عالم القصص]