حكاية الجسر القديم

في قرية بعيدة تحيطها الغابات الكثيفة والتلال الخضراء، كان هناك جسر خشبي قديم يعبر فوق نهر سريع الجريان. الجسر، الذي بُني منذ مئات السنين، كان يُعتبر رمزًا للتاريخ والتراث في القرية. خشبه المعتق كان يحمل آثار الزمن، مع شقوق صغيرة وطلاء متقشر، لكنه ظل صامدًا أمام العواصف والأمطار.

كان الجسر القديم محاطًا بالأساطير والحكايات. يقال إن أحد البنائين، ويدعى يوسف، ضحى بحياته أثناء بناء الجسر ليضمن ثباته للأبد. ولذلك، كان الجسر يُعرف بين أهل القرية بجسر يوسف. الأطفال كانوا يتجمعون حول الجد سالم ليستمعوا إلى قصص الجسر، وكانت حكاية يوسف دائمًا الأكثر إثارة.

ذات يوم، قررت فتاة صغيرة تُدعى ليلى، وهي من أكثر أطفال القرية شغفًا بالمغامرات، أن تكتشف أسرار الجسر بنفسها. ليلى كانت تحب سماع الحكايات، لكنها كانت تعتقد أن الجسر يخفي أسرارًا لم تكتشف بعد. أخذت دفترها وقلمها وتوجهت نحو الجسر في الصباح الباكر.

عندما وصلت ليلى إلى الجسر، جلست على إحدى دعاماته الخشبية وبدأت ترسم النهر والجسر وما يحيط به. لكنها لاحظت شيئًا غريبًا؛ كان هناك نقش قديم محفور على أحد أعمدة الجسر. اقتربت منه، وبدأت تقرأ الكلمات:

“عندما يجتمع الماضي بالحاضر، تظهر الحقيقة.”

أثارت الكلمات فضول ليلى. ماذا يمكن أن تعني؟ قررت العودة إلى القرية لتسأل الجد سالم، لكنه لم يكن يعرف شيئًا عن النقش. قال لها: “ربما كان يوسف هو من نقش هذه الكلمات، أو ربما أحد أبنائه.”

في تلك الليلة، عادت ليلى إلى الجسر ومعها مصباح صغير. كانت القرية هادئة، والظلام يغطي المكان. سمعت صوت الماء يتدفق تحت الجسر ونسيم الليل يلامس وجهها. بينما كانت تستكشف الجسر، وجدت شيئًا آخر: صندوقًا صغيرًا مخفيًا بين الألواح الخشبية.

فتحت ليلى الصندوق بحذر، ووجدت داخله خريطة قديمة ورسالة. كانت الرسالة مكتوبة بخط يد قديم، تقول:

“إلى من يجد هذا الصندوق، اعلم أن الجسر ليس مجرد طريق يعبر فوق الماء، بل هو رابط بين الماضي والمستقبل. إذا كنت شجاعًا بما يكفي، اتبع الخريطة واكتشف السر.”

لم تستطع ليلى النوم تلك الليلة من شدة الحماس. في صباح اليوم التالي، قررت أن تبدأ رحلتها لاكتشاف سر الجسر. حملت الخريطة وبعض الطعام وانطلقت باتجاه الغابة، حيث كانت الخريطة تشير إلى مكان غامض يُسمى “التلة المخفية”.

عندما وصلت ليلى إلى التلة بعد ساعات من المشي، وجدت مدخلًا مخفيًا داخل الصخور. كان المدخل يؤدي إلى كهف مظلم. دخلت ليلى الكهف بحذر، مستعينة بمصباحها. داخل الكهف، وجدت نقشًا آخر يقول: “الحقيقة دائمًا تحت أقدامنا.” نظرت ليلى إلى الأرض، ولاحظت وجود حجر مميز. حاولت رفعه، وبالكاد تمكنت من ذلك. تحت الحجر، كان هناك صندوق آخر.

داخل الصندوق، وجدت ليلى وثائق قديمة وصورًا للجسر أثناء بنائه. الصور أظهرت يوسف ومعه مجموعة من العمال، لكن ما لفت نظرها هو صورة تُظهر يوسف وهو يشير إلى مكان محدد على الجسر. أدركت ليلى أن هناك شيئًا مهمًا يجب أن تكتشفه على الجسر نفسه.

عادت ليلى إلى الجسر مع الوثائق والصور. بدأت تبحث في المكان الذي كان يوسف يشير إليه في الصورة. بعد تفحص طويل، وجدت لوحًا خشبيًا يبدو مختلفًا عن غيره. رفعت اللوح، ووجدت تحته تجويفًا يحتوي على قطعة ذهبية صغيرة وكلمات محفورة تقول: “هذا الجسر يحمل أحلامنا وتضحياتنا. حافظوا عليه للأجيال القادمة.”

فهمت ليلى أن الجسر لم يكن مجرد معبر فوق النهر، بل كان رمزًا للتضحية والعمل الجماعي. قررت أن تشارك ما اكتشفته مع أهل القرية. في اليوم التالي، اجتمع الجميع عند الجسر، وشاركتهم ليلى القصة.

منذ ذلك اليوم، أصبح الجسر القديم أكثر أهمية لأهل القرية. قرروا ترميمه والاعتناء به كرمز لتراثهم وتاريخهم. أما ليلى، فقد أصبحت بطلة القرية، وعُرفت باسم “حارسة الجسر”.