المكتبة التي لا تُغلق أبوابها

المكتبة التي لا تُغلق أبوابها

في زاوية هادئة من مدينة صغيرة، كانت هناك مكتبة قديمة تُدعى “نور الحكمة”. لم تكن هذه المكتبة كأي مكتبة أخرى؛ فإلى جانب رفوفها التي تعج بالكتب من كل نوع، كانت تتميز بأمرٍ فريد: لم تُغلق أبوابها يومًا، ولم تكن تحتوى على أقفال.

انتشر بين الناس أن المكتبة تُفتح للزوار على مدار الساعة، وأنها ترحب بالجميع دون استثناء. كان يمكن لأي شخص أن يدخل في أي وقت، سواء كان باحثًا عن العلم في منتصف الليل أو طفلًا يتوق إلى قصة قبل النوم.

بدأت الحكاية قبل عقودٍ عديدة، عندما قررت امرأة عجوز تُدعى “صفية” أن تحول منزل أجدادها إلى مكتبة. كانت تؤمن أن المعرفة حق للجميع، وأن الكتاب يجب أن يكون في متناول من يحتاج إليه. لم تشأ أن تضع حدودًا أو حواجز، حتى لو كانت أبوابًا مغلقة.

مع الوقت، أصبحت “نور الحكمة” مقصدًا للسكان والزوار. لم تكن فقط مكانًا لاستعارة الكتب، بل كانت مأوى للأفكار والقصص. جلس فيها الغرباء يتبادلون الحكايات، وأقام فيها الأطفال ورشات للرسم، وعقد فيها الطلبة جلسات الدراسة.

الغريب في الأمر أن أحدًا لم يسرق كتابًا من المكتبة قط. كان الناس يشعرون أن الكتب أمانة يجب احترامها. وإذا استعير كتابٌ، فإنه يعود إلى مكانه بعد أن يُقرأ. لم يكن أحد يعرف السبب وراء هذا الالتزام، لكن بعضهم قالوا إن روح “صفية” لا تزال تحرس المكتبة.

وذات يوم، ظهر في المكتبة رجل غريب يرتدي عباءة سوداء. جلس بهدوء في إحدى الزوايا وبدأ يقرأ كتابًا. لاحظه الأطفال وقالوا إنه يشبه شخصيات القصص الخيالية. لكن الرجل لم يكن سوى كاتب يبحث عن إلهام لروايته القادمة.

بعد أيام من وجوده في المكتبة، أعلن الرجل عن فكرة جديدة: إنشاء مكتبة افتراضية تحمل اسم “نور الحكمة” ليصل نور المعرفة إلى كل أنحاء العالم. استلهم فكرته من حب الناس للمكتبة، وتكاتفهم لجعلها رمزًا للمشاركة والعطاء.

وهكذا، لم تصبح “نور الحكمة” مكتبة لا تُغلق أبوابها في مكانها فحسب، بل أيضًا على الإنترنت، حيث أصبحت قبلة لكل من يسعى للعلم، ولا تزال تُلهم الأجيال بحكايتها العجيبة وروحها التي لا تنطفئ.