الليلة التي بدأت فيها القصة

الليلة التي بدأت فيها القصة

كانت تلك الليلة باردة، تُلامس فيها الرياح وجوه العابرين بخفة، وكأنها تُذكرهم بضعفهم أمام الطبيعة. في تلك الأجواء الكئيبة، قررت “سارة” أن تبدأ حياة جديدة في منزل عائلتها القديم الذي ورثته بعد وفاة جدتها. كان المنزل متواريًا عند أطراف المدينة، مهجورًا منذ سنوات طويلة، محاطًا بالأشجار العالية التي تُلقي ظلالها المخيفة على الجدران المتشققة.

عندما وصلت سارة إلى المنزل، شعرت بمزيج غريب من الحماس والخوف. فتحت الباب بصعوبة بسبب صرير المفصلات القديمة، ودخلت إلى الداخل. كان المكان مظلمًا، لكن ضوء القمر تسلل من خلال النوافذ المهشمة، كاشفًا عن الأثاث القديم المغطى بطبقة كثيفة من الغبار.

بدأت سارة بتنظيف المكان، محاولةً تجاهل الشعور الغريب الذي بدأ يتسلل إلى قلبها. مع مرور الساعات، بدا وكأن المنزل يهمس لها بلغة غامضة، لكن سارة لم تعر ذلك اهتمامًا، متناسيةً ما سمعته من سكان المدينة عن قصص غامضة تُروى عن هذا المنزل.

—

في منتصف الليل، وبينما كانت سارة تُجهز غرفتها للنوم، سمعت صوت خطوات خفيفة قادمة من الطابق السفلي. تجمدت في مكانها، وشعرت بقلبها ينبض بسرعة. حاولت إقناع نفسها بأنها مجرد أوهام، لكنها لم تستطع تجاهل الصوت. جمعت شجاعتها ونزلت إلى الطابق السفلي وهي تحمل مصباحًا يدويًا صغيرًا.

عندما وصلت، لم تجد شيئًا غير الظلام والصمت الثقيل. همّت بالعودة إلى الطابق العلوي، لكن فجأة، شعرت بتيار هواء بارد يمر بجانبها، وكأن شيئًا أو شخصًا يتحرك بسرعة. حاولت أن تُضيء المصباح حولها، لكن بطاريته خذلتها، فغرق المكان في ظلام تام.

—

في صباح اليوم التالي، قررت سارة البحث عن أي تفسيرات منطقية لما حدث. زارت مكتبة المدينة للبحث عن تاريخ المنزل، وهناك وجدت كتابًا قديمًا يحمل عنوان “حكايات منسية”. في أحد فصول الكتاب، قرأت عن رجل يُدعى “إبراهيم”، كان يسكن المنزل قبل سنوات طويلة. كان إبراهيم يعمل كاتبًا، لكنه اختفى فجأة في ظروف غامضة. تردد أنه كان يعاني من أوهام، ويدّعي أنه يسمع أصواتًا ويشعر بحضور غريب معه في المنزل.

—

عادت سارة إلى المنزل وهي تشعر بمزيج من الفضول والقلق. جلست في غرفة المعيشة، محاولةً استيعاب ما قرأته. وبينما كانت تتأمل الحائط المقابل لها، لاحظت وجود شقوق غريبة تبدو وكأنها حروف أو رموز. قررت التحقق منها عن قرب، فاكتشفت أن الشقوق كانت تشكل كلمات غير مكتملة. لم تستطع فهم معناها، لكنها شعرت برغبة ملحة في فك اللغز.

مع مرور الأيام، بدأت الأحداث الغريبة تتكرر. أشياء تتحرك من أماكنها، أصوات غير مفسرة، وحتى أحلام مزعجة كانت تلاحقها كل ليلة. لكن سارة لم تستسلم للخوف، وقررت مواجهة المجهول.

—

في إحدى الليالي، بينما كانت تقلب صفحات كتاب “حكايات منسية”، وجدت ملاحظة مكتوبة بخط اليد بين الصفحات. كانت الملاحظة تقول: “السر في الغرفة العلوية”. لم تتردد سارة، وصعدت فورًا إلى الغرفة التي لم تجرؤ على دخولها منذ وصولها. كانت الغرفة مغلقة بإحكام، لكن بعد جهد كبير تمكنت من فتح الباب.

عندما دخلت، شعرت ببرودة غير طبيعية. كانت الغرفة تحتوي على مكتب خشبي قديم وكرسي مكسور. على المكتب، كان هناك دفتر جلدي مغبر. فتحت الدفتر وبدأت تقرأ. كان الدفتر يحتوي على مذكرات إبراهيم، وفيها تفاصيل مرعبة عن أصوات غريبة كان يسمعها، ورؤى مخيفة كان يراها. في الصفحات الأخيرة، ذكر إبراهيم عبارة غامضة: “عندما تكتشف الحقيقة، سيبدأ كل شيء من جديد.”

—

في تلك اللحظة، شعرت سارة أن شيئًا ما يقف خلفها. استدارت ببطء، لكنها لم تجد شيئًا. قررت مغادرة الغرفة، لكن الباب أغلق فجأة بقوة. حاولت فتحه، لكن دون جدوى. ثم سمعت صوتًا هامسًا يقول: “لم يكن عليك القدوم هنا.”

أغمضت سارة عينيها وحاولت التماسك. عندما فتحت عينيها مجددًا، وجدت نفسها خارج الغرفة، وكأن شيئًا أو شخصًا قد أنقذها. لكن المنزل لم يكن كما هو، فقد بدأت جدرانه تتشقق، وأصوات صاخبة ملأت المكان.

قررت سارة المغادرة فورًا. خرجت من المنزل وهي تلهث، وأقسمت ألا تعود إليه أبدًا. عندما نظرت إلى الخلف، رأت المنزل يختفي تدريجيًا وسط الظلام، وكأنه لم يكن موجودًا من الأساس.

—

هل تعتقد أن سارة كانت شجاعة بما يكفي لمواجهة المجهول

؟ وهل كنت ستتخذ نفس القرار إذا كنت في مكانها؟