الشاطئ المهجور

الشاطئ المهجور: لغز الزمان والمكان

 

في قرية ساحلية صغيرة على أطراف البلاد، كانت هناك أسطورة قديمة يتناقلها الصيادون وأهالي القرية جيلاً بعد جيل. كانت الأسطورة تتحدث عن “الشاطئ المهجور”، مكان غامض مليء بالأسرار لم يجرؤ أحد على الاقتراب منه منذ عقود طويلة. يُقال إن هذا الشاطئ يجذب من يغامر بدخوله نحو مصير مجهول، حيث الزمن يتوقف والأصوات تختفي، ويبقى كل شيء مُحاطًا بالغموض.

 

البداية: دعوة غير متوقعة

 

في إحدى ليالي الصيف، عاد شاب يُدعى سالم إلى قريته بعد غياب دام سنوات طويلة قضاها في المدينة بحثًا عن عمل. كان سالم شغوفًا بالاستكشاف وقراءة الكتب القديمة عن الأساطير والمناطق الغريبة. أثناء حديثه مع أحد كبار السن من الصيادين، ذكر الرجل بحذر شديد قصة الشاطئ المهجور. قال له:

 

> “احذر يا سالم، لا تدع فضولك يقودك نحو الهلاك. لقد اختفى أشخاص كثيرون عندما حاولوا كشف سر ذلك الشاطئ.”

 

 

 

لكن سالم، بطبيعته المغامرة، لم يأخذ كلام الرجل على محمل الجد. بل على العكس، قرر أن يستغل أول فرصة للذهاب إلى هذا المكان ليكتشف الحقيقة بنفسه.

 

الرحلة إلى الشاطئ المهجور

 

في صباح اليوم التالي، استيقظ سالم مع شروق الشمس، وحزم حقيبته الصغيرة بما يلزم: ماء، مصباح يدوي، ودفتر لتسجيل ملاحظاته. شقّ طريقه إلى الشاطئ رغم تحذيرات القرويين.

 

عندما وصل سالم إلى أطراف الغابة التي تفصل القرية عن الشاطئ، لاحظ شيئًا غريبًا. كانت الأشجار كثيفة بشكل غير طبيعي، كما لو أنها تحاول إخفاء ما وراءها. صوت البحر الذي كان يُسمع من بعيد بدأ يختفي تدريجيًا مع كل خطوة يخطوها إلى الأمام.

 

الوصول إلى المكان المنسي

 

أخيرًا، ظهر الشاطئ أمامه. كانت الرمال ناعمة، بيضاء كأنها لم تُلمس منذ آلاف السنين، والمياه ساكنة تمامًا، لا موجة تُحركها. لم يكن هناك أي أثر لحياة بشرية: لا صدف، لا طيور، ولا حتى نسمة هواء. بدت السماء بلون رمادي غريب يوحي بأن هذا المكان ينتمي لعالم آخر.

 

سالم جلس على صخرة قديمة وبدأ يُسجل ملاحظاته:

 

> “الشاطئ يشبه حلمًا ضبابيًا. لا أصوات، ولا حركة. لا أستطيع حتى سماع صوت أنفاسي.”

 

 

 

فجأة، لمح سالم شيئًا غريبًا يلمع وسط الرمال. اقترب بحذر ليجد مرآة صغيرة مزخرفة بإطار نحاسي قديم. رفع المرآة نحو وجهه، وما إن نظر فيها حتى شعر بدوار شديد. الأرض بدأت تدور حوله والسماء أصبحت أكثر رمادية.

 

الزمن المتوقف

 

استيقظ سالم ليجد نفسه على نفس الشاطئ، لكن هناك شيء مختلف. الشمس لم تتحرك، والوقت يبدو وكأنه توقف. حاول العودة إلى الغابة، لكن كلما مشى شعر وكأنه يعود لنفس المكان. كأن الشاطئ أصبح سجنه.

 

وبينما كان يبحث عن مخرج، سمع أصواتًا هامسة، وكأنها آتية من تحت الرمال:

 

> “أنت لست الأول ولن تكون الأخير… الشاطئ ملك لنا!”

 

 

 

بخوف ودهشة، بدأ سالم يحفر في الرمال بيديه ليكتشف رفات بشرية مدفونة على عمق ضحل. كان هناك هياكل عظمية متراصة كما لو أنها حُبست هنا منذ سنوات. عندها أدرك سالم الحقيقة المروعة: كل من حاول كشف سر الشاطئ أصبح جزءًا منه إلى الأبد.

 

المواجهة مع الحقيقة

 

قرر سالم مواجهة الموقف بشجاعة. تذكر المرآة القديمة التي وجدها. أمسك بها مرة أخرى، وقال بصوت مرتفع:

 

> “من أنتم؟ لماذا تحتجزون الأرواح هنا؟”

 

 

 

انعكست صورة غريبة في المرآة: رجال ونساء بملابس قديمة، وجوههم يائسة، وأعينهم فارغة. كانوا يرددون بصوت واحد:

 

> “اهرب إن استطعت… أنقذ نفسك!”

 

 

 

لم يفهم سالم كيف يمكنه الهروب، لكنه قرر أن يجرب شيئًا أخيرًا. ألقى المرآة بعيدًا بقوة. فور ارتطامها بالأرض، انطلقت صرخة مدوية هزت الشاطئ، وبدأ كل شيء ينهار حوله. الرمال تبتلع الهياكل العظمية، والمياه أخيرًا بدأت تتحرك.

 

النجاة من المصير المحتوم

 

استعاد سالم وعيه ليجد نفسه ملقى على حافة الغابة، بعيدًا عن الشاطئ. كانت الشمس قد عادت لمكانها الطبيعي، وصوت البحر عاد ليملأ المكان. هرع عائدًا إلى القرية وهو يلهث من التعب والخوف.

 

عندما أخبر الناس بما حدث له، لم يصدقه أحد، لكن كبار السن نظروا له بعيون مليئة بالحزن. أحدهم قال:

 

> “أنت محظوظ لأنك عدت حيًا. لكن الشاطئ لن يتركك بسلام… ستظل ترى أحلامًا عنه إلى الأبد.”

 

 

 

النهاية الغامضة

 

بعد عدة أشهر، لم يستطع سالم نسيان ما حدث. كانت الأحلام تلاحقه كل ليلة، وفيها يرى المرآة والوجوه الهائمة. قرر في النهاية أن يُغادر القرية نهائيًا بحثًا عن مكان آخر يبدأ فيه حياة جديدة.

 

لكن من يومها، أصبح أهل القرية يقولون إن الشاطئ أصبح أكثر هدوءًا، وكأن روحًا جديدة قد هدّأت من غضبه… روح سالم، الذي اختفى بعد أيام قليلة من مغادرته دون أي أثر.

 

الشاطئ المهجور: الأسطورة التي لا تموت

 

ورغم مرور الزمن، يبقى الشاطئ المهجور أسطورة خالدة في القرية، يحذر الكبار منها أطفالهم، ويؤكدون دائمًا أن الفضول قد يفتح أبوابًا لا يمكن إغلاقها أبداً