الرسالة التي غيرت كل شيء

في مساء هادئ من أمسيات الشتاء الباردة، جلس يوسف في غرفته الصغيرة المطلة على شرفة تطل على الحي القديم. كان صوت المطر بالخارج يعزف لحنًا شجيًا بينما كان يحدق في شاشة هاتفه المحمول، ينتظر رسالة ربما لا تأتي أبدًا. كان اليوم مختلفًا بالنسبة له؛ شعور غريب بالخوف والترقب يملأ قلبه.

قبل أسبوع واحد فقط، كان يوسف يعيش حياة رتيبة، لا جديد فيها. يعمل في شركة صغيرة كموظف إداري، يقضي يومه بين الأوراق والمستندات، ويعود إلى منزله ليلاً ليواجه الوحدة التي اعتاد عليها. كانت علاقته بأسرته محدودة وأصدقاؤه قليلون. لكنه كان راضيًا، أو هكذا كان يعتقد.

ذات يوم، أثناء تصفحه لبريده الإلكتروني المهمل، لاحظ رسالة بعنوان مثير للاهتمام: “فرصة لا تعوض”. ظنها في البداية رسالة ترويجية أو إعلانًا مزعجًا، لكنه قرر فتحها على سبيل الفضول. كانت الرسالة قصيرة ومباشرة:

“السيد يوسف،

لقد تم اختيارك كمرشح للانضمام إلى برنامج خاص يهدف إلى اكتشاف قدراتك الحقيقية. التفاصيل سيتم إرسالها لاحقًا. إذا كنت مهتمًا، يرجى الرد على هذه الرسالة.”

تردد يوسف للحظات، ثم كتب ردًا مختصرًا: “أنا مهتم، أرجو إرسال المزيد من التفاصيل.”

مرت أيام دون أي رد، وبدأ يوسف ينسى أمر الرسالة تمامًا، حتى جاء ذلك المساء. بينما كان يحتسي كوبًا من الشاي الساخن، وصوت المطر يعزف بالخارج، وصلته رسالة نصية على هاتفه. كان المرسل رقمًا مجهولاً. فتح الرسالة وقرأ:

“يوسف، إذا كنت مستعدًا لتغيير حياتك، قابلنا غدًا في الساعة السابعة مساءً عند المقبرة القديمة. التفاصيل ستتضح لاحقًا.”

كان المكان والتوقيت كافيين لإثارة القلق في قلب يوسف. لكن فضوله تغلب على خوفه، وقرر الذهاب. في اليوم التالي، ارتدى ملابسه الثقيلة وتوجه إلى المكان المحدد. كانت المقبرة مظلمة وصامتة، لا يُسمع فيها سوى أصوات الرياح.

ظهر شخص غريب يرتدي معطفًا طويلًا وقدم نفسه باسم “نور”. قال بصوت هادئ ولكنه مليء بالثقة: “يوسف، لديك موهبة نادرة، لكنك لا تدركها بعد. نحن هنا لنساعدك على اكتشافها.”

نظر يوسف بدهشة وسأل: “ما الذي تتحدث عنه؟ وكيف تعرفني؟”

ابتسم نور وقال: “كل شيء في وقته. المهمة الأولى التي عليك تنفيذها ستوضح لك كل شيء. عد إلى منزلك الآن، وستصلك التفاصيل قريبًا.”

عاد يوسف إلى منزله مليئًا بالأسئلة والشكوك. في صباح اليوم التالي، وجد مظروفًا صغيرًا أسفل باب شقته. فتحه ووجد داخله خريطة قديمة ومفتاحًا صغيرًا ورسالة مكتوب فيها: “اتبع الخريطة، وستجد ما تحتاج إليه.”

بدأ يوسف رحلته باتباع الخريطة. قادته إلى أماكن غريبة في مدينته، أماكن لم يزرها من قبل، تحمل في طياتها ذكريات قديمة ومشاهد مؤثرة. أثناء رحلته، اكتشف رسائل أخرى تخبره عن شخصيته، نقاط قوته وضعفه، وأحلامه التي نسيها.

بعد أيام من البحث والتفكير، وصل إلى صندوق خشبي صغير مدفون في حديقة مهجورة. فتح الصندوق باستخدام المفتاح الذي وجد في المظروف، وداخل الصندوق كانت هناك رسالة أخيرة تقول: “الحياة ليست ما يحدث لك، بل كيف تختار أن تعيشها. أنت الآن مستعد لاتخاذ القرار.”

في تلك اللحظة، شعر يوسف بوضوح غريب. كانت الرسالة تشجعه على أن يتخلى عن خوفه ويبدأ في متابعة أحلامه المؤجلة. عاد إلى منزله وبدأ بإجراء تغييرات جذرية. قدم استقالته من وظيفته، وبدأ في تحقيق حلمه القديم بفتح مكتبة صغيرة في الحي، مكان يجمع فيه عشاق الكتب والمثقفين.

مرت شهور، وتحولت المكتبة إلى مركز ثقافي نابض بالحياة. أصبح يوسف معروفًا في مجتمعه، وبدأ يكتشف جوانب جديدة من نفسه لم يكن يعلم بوجودها. الرسالة التي تلقاها كانت نقطة التحول التي غيرت مسار حياته تمامًا.

وفي إحدى الأمسيات، بينما كان جالسًا في مكتبته، وصله مظروف جديد. فتحه بيدين مرتعشتين ليجد داخله رسالة أخرى تقول: “أحسنت، يوسف. هذه ليست النهاية، بل البداية فقط.”