الحقيبة المجهولة

في صباح يوم مشمس، بينما كانت الشوارع تستعد لاستقبال زحام اليوم، كان “ياسر” الشاب الطموح يسير نحو عمله في أحد المكاتب الصغيرة بوسط المدينة. كان يحمل حقيبته الجلدية المعتادة، ممتلئة بالأوراق والملفات. وبينما هو يعبر الحديقة العامة القريبة، لمح حقيبة غريبة موضوعة بجانب مقعد خشبي تحت شجرة وارفة.

توقف ياسر للحظة وتفحص الحقيبة بنظره. كانت تبدو حقيبة سفر صغيرة، ولكن مظهرها الخارجي كان يوحي بأنها ليست حديثة. كانت مغلقة بإحكام، وعليها بقع صغيرة من الغبار وكأنها كانت هناك منذ فترة. شعر ياسر بالفضول، ولكنه تردد في البداية؛ فلطالما حذرته والدته من التدخل في أمور الآخرين.

ولكن شيئًا ما داخله دفعه للاقتراب. نظر حوله ليتأكد من أن أحدًا لا يراقبه. كانت الحديقة شبه فارغة، باستثناء رجل عجوز يطعم الحمام بعيدًا. انحنى ياسر وأمسك بالحقيبة. كانت أثقل مما توقع. جلس على المقعد وأخذ يفحصها عن قرب. كان هناك قفل صغير، ولكنه كان مكسورًا، مما يعني أن الحقيبة يمكن فتحها بسهولة.

لم يستطع ياسر مقاومة فضوله. فتح الحقيبة بحذر ووجد بداخلها مجموعة من الأشياء الغريبة: دفتر قديم مغطى بالجلد، وعدة صور بالأبيض والأسود، وساعة جيب ذهبية، وخريطة قديمة تبدو كأنها تعود إلى قرون مضت. شعر وكأنه اكتشف كنزًا صغيرًا.

أخذ الدفتر وبدأ يقلب صفحاته. كانت مليئة بملاحظات مكتوبة بخط يد صغير ودقيق، ومعظمها باللغة العربية وبعضها بلغات أخرى لم يستطع التعرف عليها. كانت هناك رسومات غامضة وملاحظات عن أماكن وتواريخ. بدا أن الدفتر يروي قصة شخص ما، ربما رحالة أو مستكشف.

بينما كان ياسر يتصفح الدفتر، لاحظ أن هناك رسالة قصيرة في بداية الصفحة الأولى مكتوبة بخط يد مختلف: “إلى من يجد هذه الحقيبة، هذه ملكيّة عائلتي. أرجوك أن تعيدها إن استطعت. ستجد التفاصيل في الصفحة الأخيرة”.

قلب ياسر بسرعة إلى الصفحة الأخيرة، ووجد عنوانًا مكتوبًا هناك مع اسم شخص: “حسن عبدالرحيم” وعنوان قديم في إحدى ضواحي المدينة. قرر ياسر أن يعيد الحقيبة إلى صاحبها. شعر بأن هذا هو التصرف الصحيح.

في اليوم التالي، أخذ الحقيبة وذهب إلى العنوان المكتوب. كانت المنطقة قديمة، وبعض المنازل تبدو مهجورة. وقف أمام المنزل الذي بدا في حالة جيدة مقارنة بالمنازل الأخرى. طرق الباب بحذر، وفتح له رجل مسن، يبدو في السبعينيات من عمره، بعينين مليئتين بالحيرة.

قال ياسر: “مرحبًا، هل أنت السيد حسن عبدالرحيم؟”

أجاب الرجل: “نعم، هذا أنا. كيف يمكنني مساعدتك؟”

أخرج ياسر الحقيبة من خلف ظهره وقال: “وجدت هذه الحقيبة في الحديقة العامة. كانت هناك رسالة بداخلك تشير إلى أنني يجب أن أعيدها إليك.”

نظر حسن إلى الحقيبة وكأنها كنز مفقود، ثم أخذها بيدين مرتعشتين. كانت عيناه تلمعان بالدموع بينما قال: “هذه الحقيبة كانت ملكًا لوالدي. لقد فقدناها منذ سنوات. لم أكن أتوقع أن أراها مرة أخرى.”

دعا حسن ياسر إلى الدخول، وبدأ يروي له قصة الحقيبة. كانت تخص والده الذي كان رحّالة ومستكشفًا في منتصف القرن العشرين. كان يجمع المعلومات عن الأماكن التاريخية وينقلها إلى الدفاتر. في يوم من الأيام، اختفت الحقيبة في ظروف غامضة، ومنذ ذلك الحين لم يعرف أحد عنها شيئًا.

سأل ياسر: “ولكن كيف وصلت الحقيبة إلى الحديقة؟”

أجاب حسن: “لا أعلم. ربما كان أحدهم يحتفظ بها وأعادها دون علمي. لكنني ممتن جدًا لأنك أعدتها إلي.”

بعد ذلك، أصبح ياسر وحسن أصدقاء. كان حسن يروي لياسر مغامرات والده، وياسر يستمع بشغف. تلك الحقيبة لم تكن مجرد قطعة قديمة؛ بل كانت بابًا إلى الماضي، ومصدر إلهام لياسر ليعيش مغامراته الخاصة.

وبعد أن أنهى حسن حديثه عن والده، قال لياسر: “إذا كنت تملك الفرصة، لا تتردد في عيش مغامراتك. الحياة قصيرة جدًا، وكل يوم يحمل سرًا جديدًا.”

وفي نهاية القصة، تُطرح على القارئ هذه التساؤلات: “هل سبق ووجدت شيئًا غريبًا أثار فضولك؟ وكيف تصرّفت حينها؟”