التاجر الحكيم والغول المخادع

كان يا ما كان في قديم الزمان، في مدينة بعيدة تقع بين الجبال والغابات الكثيفة، تاجر حكيم يدعى مراد. اشتهر مراد بذكائه وحسن تدبيره، وكان يملك متجرًا يبيع فيه أجود البضائع من توابل وأقمشة وحُلي. كانت سمعته الطيبة تجذب الناس من كل حدب وصوب، فكان متجره دائمًا مكتظًا بالزبائن.

في يوم من الأيام، بينما كان مراد عائدًا إلى مدينته بعد رحلة تجارية طويلة، قرر أن يسلك طريقًا مختصرًا عبر الغابة لتوفير الوقت. لم يكن يعلم أن هذه الغابة مسكونة بغول مخادع يُدعى زيراك، اشتهر بقدرته على التلاعب بالكلمات وخداع المسافرين.

عندما اقترب مراد من وسط الغابة، ظهر زيراك فجأة أمامه. كان الغول ضخم الجثة بعينين تلمعان كالجمر وابتسامة ماكرة ترتسم على وجهه. قال زيراك بصوت جهوري: “مرحبًا أيها التاجر! إلى أين أنت ذاهب؟”

توقف مراد للحظة ثم رد بثقة: “أنا عائد إلى مدينتي بعد رحلة تجارية ناجحة.”

ابتسم زيراك وقال: “إذن، أنت رجل أعمال ناجح. لكن لا أحد يعبر هذه الغابة دون أن يثبت ذكاءه. إذا استطعت حل أحجيتي، سأدعك تمر بسلام. أما إذا فشلت، فسآخذ كل بضاعتك.”

وافق مراد بحذر، وقال: “هات ما لديك.”

بدأ زيراك يقول الأحجية: “شيء كلما أخذت منه زاد. ما هو؟”

فكر مراد قليلاً ثم ابتسم وقال: “الحفرة. كلما أخذت من ترابها، زادت عمقًا.”

ظهرت علامات الدهشة على وجه زيراك، لكنه لم يستسلم. قال: “أحسنت! لكن لدي أحجية أخرى. إن حليتها، فأنت حقًا تستحق المرور.”

وافق مراد، وبدأ زيراك في طرح أحجيته الثانية: “أنا شيء يراك ولا تراه، أسمعك ولا تسمعني، أقترب منك كلما اقتربت من الموت. ما أنا؟”

تجهم وجه مراد للحظة، ثم قال: “الظل.”

ارتبك زيراك، لكنه حاول إخفاء خيبة أمله. قال: “أنت ذكي حقًا يا مراد، لكنني لن أدعك تمر بهذه السهولة. لدي عرض آخر لك.”

سأله مراد: “وما هو؟”

قال زيراك: “سأسمح لك بالمرور إذا استطعت إقناعي بأنني أحمق. وإن لم تستطع، فسآخذ بضاعتك.”

ابتسم مراد وقال: “قبل أن أقبل هذا التحدي، هل لي أن أطرح عليك سؤالاً؟”

وافق زيراك، فقال مراد: “إذا كنت أستطيع أن أقول شيئًا يجعلك تعترف بأنك أحمق، ألن يكون هذا اعترافًا منك بذلك؟”

فكر زيراك في كلام مراد، ثم أدرك الفخ الذي نصبه له. إذا اعترف بأنه أحمق، فسيكون قد خسر التحدي، وإذا أنكر، فهذا يعني أن مراد قد أثبت ذكاءه بالفعل.

تنهد زيراك وقال: “لقد فزت أيها التاجر الحكيم. يمكنك المرور.”

شكر مراد زيراك واستمر في طريقه، لكنه لم ينس هذه التجربة أبدًا. عندما عاد إلى مدينته، بدأ يحكي قصته مع الغول لزملائه التجار. كانت القصة تحمل في طياتها درسًا قيمًا عن الحكمة والصبر وكيف يمكن للذكاء أن يتغلب على القوة والخداع.

أما زيراك، فظل في الغابة يفكر في الحوار الذي دار بينه وبين مراد. وقرر أن يتعلم من هذه التجربة، فأصبح أقل خُبثًا وأكثر رغبة في الحوار مع المسافرين بدلاً من خداعهم. وهكذا، تحولت الغابة من مكان للرعب إلى محطة يروي فيها زيراك قصصه وأحاجيه للمسافرين، وأصبح صديقًا للعديد منهم.

وبقيت القصة تُروى من جيل إلى جيل كرمز لانتصار الحكمة على المكر، والتعلم من التجارب مهما كانت نتيجتها. هكذا عاش مراد وزيراك، كلٌ بطريقته، لكن كلاهما تعلم درسًا مهمًا عن الحياة.